ألمانيا تمتدح تنديد مسلميها بهجوم فرنسا
خالد شمت-برلين
جاءت زيارة وزير العدل الألماني هايكو ماس لمسجد الشهيد في العاصمة برلين خلال صلاة الجمعة في سياق مواقف متتابعة عبرت فيها الدولة الألمانية -عبر عدد من كبار سياسييها- عن تقديرها لتنديد أقليتها المسلمة -المقدرة بأكثر من أربعة ملايين نسمة- بالهجوم على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية.
وجسد ذلك تأكيد رفض المشهد السياسي الألماني لاستغلال حركة "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب" المعروفة باسم "بيغيدا" لحادثة الهجوم في باريس لمواصلة تحريضها ضد الإسلام ومسلمي البلاد.
ودعا هايكو ماس -في تصريحات للصحفيين خلال زيارته للمسجد- إلى تعزيز أواصر الحوار والمعرفة المتبادلة بين المسلمين وغيرهم من فئات المجتمع الألماني باعتبارها أفضل وسيلة لإزالة المخاوف المتبادلة، وشدد "على رفض السماح لليمين المتطرف باستغلال ظاهرة الإرهاب بتبرير مظاهراتهم التي لا تبذر إلا الكراهية"، في إشارة إلى حركة "بيغيدا".
الحرية والأمن
وامتدح وزير العدل الألماني رفض ممثلين لأديان مختلفة في ألمانيا -من بينها الإسلام- في بيان نشرته صحيفة بيلد الشعبية، للهجوم الذي وقع على الصحيفة الفرنسية، واعتبر أن هذا يدل على أنه لا يوجد دين يمكن أن يقر الإرهاب.
وعبر ماس عن رفضه لتشديد القوانين وتوسيع المراقبة الأمنية، مشيرا إلى أن المطلوب هو الموازنة بين الحرية والأمن في المجتمع.
وجاءت زيارة ماس لمسجد الشهيد -الذي يعد من معالم العاصمة الألمانية- بعد يوم واحد من إشادة المستشارة أنجيلا ميركل في تصريحات للصحفيين "بالعلاقة الجيدة جدا" بين ألمانيا ومسلميها، ورفضها تعميم الاتهامات بحق المسلمين "الذين عبروا بوضوح عن رفضهم للهجوم الإرهابي الذي وقع في باريس".
وفي السياق نفسه رفض وزير الداخلية توماس ديمزير وضع مسلمي ألمانيا تحت دائرة الاشتباه العام، وقال في مقابلة مع صحيفة زود دويتشه إن الهجوم على مجلة شارلي إيبدو لا علاقة له بالإسلام، معتبرا أن تعميم الاشتباه بالمسلمين "يخدم اليمين المتطرف الساعي للتحريض وتمزيق المجتمع".
وضمن المواقف السياسية الساعية لإبعاد أقلية ألمانيا المسلمة عن التأثيرات السلبية للهجوم، رد توماس أوبرمان رئيس كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البوندستاغ (البرلمان) بعنف على اعتبار ألكسندر غاولاند نائب رئيس حزب بديل لألمانيا -المعادي لليورو والوحدة الأوروبية- أن الهجوم على الصحيفة الفرنسية يبرر المظاهرات الأسبوعية لحركة "بيغيدا" المعادية للإسلام.
كما هاجم وزير داخلية ولاية شمال الراين رالف ييغر اعتزام حركة "بيغيدا" التظاهر برايات سوداء حدادا على ضحايا الهجوم على الصحيفة الفرنسية، وحذر في برنامج حواري بثته القناة الأولى بالتلفاز الألماني "أي.أر.دي" سكان ولايته من المشاركة في مظاهرات حركة "موجهة من اليمين المتطرف".
التسامح والتعايش
ونددت كبريات المنظمات والمؤسسات الإسلامية في ألمانيا بحادثة هجوم فرنسا، وخصصت معظم المساجد خطب الجمعة لهذا الموضوع والتأكيد على رفض المسلمين للإرهاب والعنف وتمسكهم بالتسامح ومبادئ العيش المشترك.
وتعتزم أكثر من عشر من كبريات المنظمات الإسلامية الألمانية التظاهر للغرض نفسه مساء الاثنين القادم أمام بوابة براندنبورغ التاريخية في برلين.
ودعا رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مزايك مسلمي البلاد إلى المشاركة بكثافة في هذه المظاهرة "الهادفة إلى التأكيد على رفضهم للإرهاب والقتل الذي لا يقره أي دين وللتطرف والتحريض من أي جهة".
من جانبها انتقدت الخبيرة الإعلامية الألمانية البارزة ومديرة معهد المسؤولية الإعلامية زابينا شيفر التقارير الإعلامية الأولية الغربية حول الهجوم على الصحيفة الفرنسية، وقالت للجزيرة نت إن "ردات الفعل الإعلامية على جريمة القتل تخدم إثارة المخاوف وتمزق المجتمع".
وقالت شيفر إنه "حتى لو كان وراء الحادث إرهابيون مسلمون، فمن المستغرب عدم مراعاة التقارير الإعلامية أن المسلمين أيضا صدموا من هذه الجريمة ورفضوها، ورأوا فيها إجراما محضا لا علاقة له بأي دين".