بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ التوافُق بين الزوجين هو أحد أهم أسباب الاتزان في الحياة الزوجية والتوفيق في جوانبها لكلا الجنسينِ، وفي مراحل العمر شتى، من بداية الزواج وحتى الممات.
يُفضي التوافق بين الزوجين على الحياة جمالًا وبهاءً وسعادة لا يعرفها إلا مَن ذاقها، وعلى النقيض نرى أن البيتَ ذا المشاكل في الصباح وفي المساء وفي الأعياد بيتٌ بَشِع للغاية، مقضبة أجبنة سُكانه، مكهلة قلوبهم، حزينة عيونهم؛ لذلك أضع بين يدي القارئ الحبيب والقارئة الكريمة - سواء المتزوجين منهم أم العزاب على اعتبار ما سيكون إن شاء الله - هذه المفاتيح العَشرة - بفتح العين - لحياة زوجية طيبة العِشرة - بكسر العين؛ عسى الله أن ينفعَ بها إن عُمل بها مجتمعة أو بشيء منها، ومَن جمع العَشرة حاز البشرى.
1- الرومانسية:
إنَّ الرومانسية ليستْ مادة مستوردة من كتب الغرب، ولا مستنتجة مِن قصص العشاق؛ جميل وبثينة، وعنتر وعبلة، وقيس ولبنى، ولكنها مستقاة مِن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته؛ فيقول عن عائشة رضي الله عنها: (إني رُزِقْتُ حبَّها))، ويمتدحها، ويتكئ على حجرها، ويشرب من مكان شربها.
ولعظيم أثر المبالغة في حديث المشاعر بين الزوجين، كان أحد الثلاثة الأسباب التي أبيح فيها الكذبُ، ومنها: ((الرجل يُحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها))؛ رواه النسائي.
فالزوجةُ تُحبُّ سَماع الكلام الجميل؛ مِن تغزُّل بمحاسنها، وذكرٍ لصفاتها الجميلة، ولربما هو أثمن عندها مِن ألف دولار تُقدمه لها كهدية، فكن رومانسيًّا.
اتصلْ بها للاطمئنان عليها وأنت في العمل، ضَعْ عليها الغطاء إن كانتْ نائمةً وقبِّلها، وكذلك أنتِ أسْمِعي زوجك الثناء حين عودته مِن عمله، وحين مغادرة بيته، وفي كل وقت تسنح فيه الفرصة.
2- تبادُل الأدوار:
لا أعني بذلك: أن يلدَ الرجلُ ويحيض، وأن تَفلحَ المرأةُ بالحديد، بل تبادُل الأدوار في حدود ما يُمكن كونًا وشرعًا، كأن تخيطَ الثياب، وتطبخ الحساء، وتصنع القهوة، وتحضرها إلى جانب البسكويت لامرأتك وهي في السرير؛ قالتْ عائشة رضي الله عنها: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ولَمَّا سُئِلَتْ ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالتْ: كان في مهنة أهله.
وعلى الزوجة كذلك أن تحرصَ على فعل أشياء مرهون فعلها بالزوج إن استطاعتْ إلى ذلك سبيلًا، وأهل مكة أدرى بشعابها.
3- التغاضي عن الصغائر:
لا تنظُر إلى سفاسف الأمور، فما تستطيع تجاوزَه تَجاوَزْهُ، فإن وجدتها غير مرتبة مرة تغاضَ عن ذلك، أو لم تكن مرجلة شعرها لا تكنْ كثيرَ النقد، مهتمًّا بصغائر الأمور وسفسافها، وليكن شعارك إن كرهتَ منها شيئًا: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رَضِيَ منها آخر))، فهي في النهاية امرأة وليست مِن الحور العين، وليستْ معصومةً، ولم يُكتَبْ لها الكمالُ، فحين تكره منها خُلُقًا أو فعلًا انظرْ إلى النصف الممتلئ من الإناء، وكذلك الأمر مُوَجَّهٌ للزوجة بأنْ تنظُر إلى محاسنه، وتتغاضى عن صغائره.
4- لا للغضب:
هي وصيةٌ نبوية عامة: ((لا تغضبْ))، وكرَّرَها ثلاثًا عليه الصلاة والسلام، وهي أكثر أهمية في الحياة الزوجية، فالغضبُ يُؤدي إلى الطلاق وتشتيت الأسرة، وضياع الأولاد، يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "لبثتُ قاضيًا في محكمة النقض سبعًا وعشرين سنة، فوجدتُ أن أكثر حوادث الطلاق سببُها غضب الرجل الأعمى، وجواب المرأة الأحمق".
5- مفاجآت وهدايا:
أصل ذلك قولُه عليه الصلاة والسلام: ((تهادوا تحابوا))، والهديةُ مهمة في الحياة الزوجية، فهي تفعل الأفاعيل، وتعبيرٌ ماديٌّ عن الحب ووسيلةٌ لزيادته؛ فعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: "إن الناس كانوا يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ولا ننتظرْ آخر الشهر لتشترِ هديةً غالية الثمن، فليس ذلك مطلقًا في كل الهدايا، فالهديةُ قد تكون وردةً، أو كلمات حب مُعطَّرة مكتوبة في غلاف ذي لون أحمر.
6- لا للخرَس الزوجي:
الخرَسُ الزوجي هو جوٌّ مِن الصمت يُخَيِّم على أرجاء المنزل أو خارجه، كلما اجتمعَا الزوجان لا يجدان ما يتَّحدثان به فيطول السكوتُ، ويمل الشريكُ شريكَه، وتتولَّد المشاكل، فهو يقضي على الأُسُس والأصول التي ينبغي أن تُبْنَى عليها الحياةُ الزوجية.
وتأمَّل كيف قصَّتْ عائشةُ رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم حديث أبي زرع وأم زرع الطويل، وفي المقابل ورَد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدَّث.
فلْيُرغم الزوجانِ أنفسهما على الحديث في المفيد، والنظر فيما يستطيب ويميل إليه الشريكُ في الحديث، ولْيَقْصِدَا بذلك التعبُّد لله عز وجل، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
7- النظافة وحسن المظهر:
المرأةُ لا يهمها فقط أخلاقُ زوجها، ورجولته، وعنفوانه، وقدرته على الكسب، فكما يهمها هذا كله فهي ترغب أيضًا في رؤيته حسَن المظهر، نظيف الجسد والثياب، لا أن يأتيها ورائحة العرَق تَفوح منه، وفي الكتاب: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4]، وفي السنة: ((الطهور شطر الإيمان)).
ومِن ديننا وجوب الوضوء والغسل واستحبابهما، وسنن الفطرة، والسواك، والطيب، والمرأة قد تنفر مِن الرجل الذي لا يُحافظ على نظافته الشخصية ورائحته الطيبة.
وفي المقابل الزوج يَرغب في نظافة امرأته، بل يرغب في رؤيتها متزينة على أحسن حال؛ فعن جابر قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما رجعنا ذهبنا لندخل، فقال: ((أمهلوا حتى ندخل ليلًا - أي: عشاء - حتى تمتشطَ الشعثة، وتستحد المغيبة)).
8- نكتة ومزاح:
الرجولةُ لا تُنافي المزاح، وقوة الشخصية لا تُنافي وجود النكتة؛ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليعجبني الرجل أن يكونَ في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتُغي منه وُجِدَ رجلًا"، وقال ثابت بن عبيد: "كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله، وأزمَته عند القوم"، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم - مُعلم الصحابة - يُسابق زوجته عائشة، ويتمازحان حتى أثناء الغسل؛ فقد ورَد عنها أنها قالتْ: (كنتُ أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مِن إناء بيني وبينه، تختلف أيدينا عليه فيُبادرني حتى أقول: دَعْ لي، دَعْ لي، قالتْ: وهما جُنبان).
كما أنَّ الزوجة مطالَبة بإيجاد جوٍّ مِن المرح والمزاح في بيتها، فذلك مما نبَّه عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين قال لجابر: ((هلا تزوجتَ بكرًا تُلاعبها وتلاعبك)).
9- رفق ولين:
تجد بعض الرجال رفيقًا لينا مزوحًا خارج بيته، وإذا دخله اخشوشن واستغلظ واستنفر وزمجر على أهل بيته! فأين هذا مِن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خياركم خياركم لأهله؟))، وحقيقة الرفق بالزوجة أنه مكسب للزوج قبل أن يكونَ مكسبًا لها، فإن أحْسَنَ إليها ورفَقَ بها وجد منها أضعافًا مضاعفة، وفي الحديث ((فدارِها تعشْ بها))، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وفي الحديث: ((فاستَوْصُوا بالنِّساءِ خيرًا))، وفي خطبة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا اللهَ في النِّساء، فإنكم أخذتموهُنَّ بأمان الله، واستَحْلَلْتُم فُروجَهُنَّ بكلمةِ الله)).
10- جسم سليم:
للأسف إن البعض لا يعدُّ اعتدال جسم الرجل وجسم المرأة من المهمات في الحياة الزوجية، فلو كان هو سمينًا أو كانتْ هي سمينة لا يلتفت كلاهما لذلك، غير أن بعض الأزواج يهمهم.
كذلك على الزوجين إن كان أحدُهما مريضًا ألا يُهمل ذلك، وأن يتداوى كي لا يثقل نفسه وشريكه، والبدانةُ إحدى تلك السلبيات التي يُعاني منها بعضُ الأزواج وهي تُؤدي إلى الموت، وهي ظاهرةٌ خطيرة تُكلِّف أمريكا - على سبيل المثال - كل سنة 147 مليار دولار، ويموت بسببها ملايين كل عام!
فكن ذا جسم سوي، وكن قويًّا واستشفِ مِن الأمراض إن استطعتَ، وكذلك كوني لزوجك كما يحب، ولا تُهملي نفسك لا قبل الحمل ولا بعد الولادة، فإنه إن بقي فيك ما يحب فلن يلتفت لغيرك.
((صالح الشناط))