بسم الله الرحمن الرحيم
أخطاء في الطهارة والصلاة
1- أخطاء في الطهارة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الطهارة شرط من شروط الصلاة، التي لا تُقبل إلا بها، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ".
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ".
وهناك أخطاء يقع فيها بعض المصلين تتعلق بالطهارة، أحببت التذكير بها أداء لحق الله تعالى، وقيامًا بواجب النصيحة.
أولاً: إن بعض الناس يعبدون الله على جهل، فيقعون في أخطاء فاحشة، في الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج، وغيرها من العبادات، بل قد يتعدى ذلك إلى الخطأ في أمور في التوحيد والإيمان، وللأسف قد يكون بعض هؤلاء ممن يزعمون أنهم من المثقفين، غير أن ثقافتهم ثقافة ضحلة لا تتعدى الجرائد، والمجلات، والقنوات الفضائية، والواجب على المسلم أن يعرف دينه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويسأل أهل العلم عما أُشْكِلَ عليه من ذلك، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 43-44].
روى ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ".
وروى البخاري من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وكان يقول في حجته فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ"، وقد يبلغ الأمر ببعض الناس إلى الإعراض عن تعلُّم الدين، وفي هذا خطر عظيم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126].
ثانيًا: من الأخطاء ما يتعلق بالوضوء، فمن ذلك ترك إسباغ الوضوء، ومعنى الإسباغ إعطاء كل موضع من مواضع الوضوء حقه، وعلى المصلي أن ينتبه عند الوضوء إذا كان في يده ساعة، أو خاتم أو غير ذلك، فلا بد أن يصل الماء إلى العضو، روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ".
والعقب هو مؤخر القدم، روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، قال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ" فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى.
ومنها: عدم إكمال غسل اليدين إلى المرفقين، والواجب عليه غسل يديه كلها من أطراف الأصابع إلى المرافق؛ لأن الكفين داخلان في مسمى اليد، ولا يكتفي بالغسل الأول لهما.
قال الشيخ ابن عثيمين وهو يتحدث عن صفة الوضوء:
وغسل اليدين إلى المرافق من أطراف الأصابع إلى المرافق مرة واحدة، ويجب أن يلاحظ المتوضئ كفيه عند غسل ذراعيه، فيغسلهما مع الذراعين، فإن بعض الناس يغفل عن ذلك، ولا يغسل إلا ذراعيه، وهو خطأ.
ومنها: أن بعضهم عند غسل الوجه لا يغسل صفحة وجهه كاملة، بل تبقى أجزاء من الوجه، جهة الأذنين لم يمسها الماء، والصحيح أن حدود الوجه من منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحيين والذقن طولاً، وعرضًا إلى أصول الأذنين.
ومنها: أن بعضهم يكتفي بمسح مقدم رأسه، أو يمسح إلى منتصف الرأس، والصحيح أن عليه أن يمسح جميع الرأس، فقد روى البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم قال: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْـمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
ومنها: عدم تخليل أصابع اليدين والرجلين، فقد روى أبو داود في سننه من حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ.
وروى الترمذي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ".
ومنها: الإسراف في الماء، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]. روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالـْمُدِّ.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات، روى النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: "هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ، وَتَعَدَّى، وَظَلَمَ".
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخطاء في الصلاة (أ):
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الصلاة هي عماد الدين، والركن الثاني من أركانه، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة؛ لذلك وجب على المسلم أن يحرص على أدائها، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن صفتها لأمته.
روى البخاري في صحيحه من حديث مالك بن الحويرث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".
وروى الطبراني في الأوسط من حديث عبدالله بن قرط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاَةُ، فَإِن صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ".
وهناك أخطاء يقع فيها بعض المصلين أحببت التذكير بها أداء لحق الله تعالى، وقيامًا بواجب النصيحة، فمن ذلك:
أولاً: عدم إقامة الصلب في الركوع أو السجود، روى أحمد في مسنده والنسائي في سننه من حديث أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لأَحَدٍ لاَ يُقِيمُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ".
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم لص الصلاة وسارقها شرًّا من لص الأموال، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَسْوَأُ النَّاسِ الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ؟ قَالَ: "لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا"، أَوْ قَالَ: "لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ".
أما الركوع فإن بعض الناس يخفض ظهره أكثر من اللازم، أو يرفعه، وهذا خطأ،فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهرَهُ وَسَوَّاهُ، حَتَّى لَو صُبَّ المَاءُ عَلَيهِ لاَستَقَرَّ.
وروى النسائي من حديث أبي حميد قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يَنْصِبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْهُ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
وأما السجود فإن بعض المصلين إذا سجد لا يُمَكِّن جبهته من الأرض، وبعضهم يرفع قدميه عن الأرض، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرتُ أَن أَسجُدَ عَلَى سَبعَةِ أَعظُمٍ، الجَبهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنفِهِ، وَاليَدَينِ، وَالرُّكبَتَينِ، وَأَطرَافِ القَدَمَينِ".
وهذا الحديث يدل على أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للمصلي أن يسجد عليها كلها.
ومنها: عدم الطمأنينة في الصلاة، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح بدونه، روى البخاري في صحيحه من حديث زيد بن وهب قال: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَيهَا.
وفي هذا دليل على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وأن الإخلال بها مبطل للصلاة؛ لأنه قال له: ما صليت، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد، وقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلِّمني! فقال: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا".
ومنها: مسابقة الإمام، وقد جاء النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي إِمَامُكُمْ فَلاَ تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلاَ بِالسُّجُودِ، وَلاَ بِالْقِيَامِ، وَلاَ بِالاِنْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي" ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا"، قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَارَسُولَ الله؟ قَالَ: "رَأَيْتُ الْـجَنَّةَ وَالنَّارَ".
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟!".
وروى البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ.
ومنها: أن بعضهم إذا سلم الإمام التسليمة الأولى، وعليه قضاء بعض الركعات لاينتظر حتى يسلِّم الإمام التسليمة الثانية، وإنما يقوم مباشرة ليكمل ما تبقى من الركعات، وهذا خطأ، والأولى أن ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمة الثانية.
ومنها: الصلاة بثياب مسبلة، والإسبال منهي عنه على وجه العموم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَـهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "الْـمُسْبِلُ، وَالـْمَنَّانُ، وَالْـمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْـحَلِفِ الْكَاذِبِ".
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فِي النَّارِ".
وبعض أهل العلم يُشدِّد في الأمر إذا كان الإسبال في الصلاة؛ لأن من شروط الصلاة ستر العورة، والذي يصلي في الثياب المسبلة قد ستر عورته بثياب محرمة، ولذلك فإن صلاته في خطر.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخطاء في الصلاة (ب):
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الصلاة عماد الدين والركن الثاني من أركانه، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، ولذلك وجب على المسلم أن يحرص على أدائها كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وبيَّن صفتها لأمته.
روى البخاري في صحيحه من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي".
وروى الطبراني في الأوسط من حديث عبداللَّه بن قرط رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِن صَلَحَت صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِن فَسَدَت فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ".
واستكمالاً للحديث السابق عن أخطاء المصلين؛ فمن ذلك:
أولاً: الصلاة بالثياب الضيقة، أو البنطال الضيق، قال بعض أهل العلم: والمحذور في ذلك أن اللباس الضيق يجسِّم العورة، وهذا على العموم منهي عنه، فكيف إذا كان في الصلاة؟! قال تعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
ثانيًا: الصلاة في الثياب الشفافة، فكما يحرم الصلاة في اللباس الضيق لأنه يجسِّم العورة ويصف شكلها، وحجمها، فكذلك تَحْرُمُ الصلاة في الثياب الرقيقة التي تشفُّ عما وراءها من البدن.
قال الفقهاء في شروط صحة الصلاة، "مبحث ستر العورة": ويشترط في الساتر: أن يكون كثيفًا، فلا يجزئ الساتر الرقيق.
وهذا يحدث في الصيف: فنجد أن بعض الناس يلبس الثياب الشفافة مع السراويل القصيرة، ثم يصلي فيها.
ثالثًا: الصلاة في ملابس النوم أو (البيجامات) أو ملابس العمل، وقد تكون متسخة وبها روائح كريهة تؤذي المصلين، والسبب يعود إلى الكسل، فيتكاسل عن تغييرها؛ بينما لو أراد أن يزور مسؤولاً، أو رجلاً له مكانته، لاستعدَّ لذلك؛ فربُّ العالمين أولى بالتجمُّل، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]. وقال تعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
رابعًا: الإسبال في الصلاة، ويشمل الثوب و(البشت)، والبنطال، والإسبال منهي عنه على وجه العموم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قال: قرأها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول اللَّه؟ قال: "الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ" .
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فَفِي النَّار" فإذا كان هذا الوعيد الشديد لعموم المسبلين، ففي الصلاة أشد وأعظم؛ فقد روى أبو داود في سننه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّه فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ".
خامساً: المواظبة على صلاة النافلة في المسجد، وهذا خلاف السنة، والمستحب أن تكون صلاة النافلة في البيت؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا".
وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبداللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا".
وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبداللَّه بن سعد رضي الله عنه قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أيُّما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: "أَلَا تَرَى إِلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ؟! فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً"، ولا بأس أن يصلي النافلة في المسجد أحياناً، إلا أن السنة الغالبة صلاتها في البيت، وهو أفضل كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة.
سادساً: رفع بعض المصلين أصواتهم في القراءة السرية، أو في بعض أذكار الصلاة، وهذا يشوش على الباقين صلاتهم، وقد ورد النهي عن ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110].
روى مالك في الموطأ من حديث البياضي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلُّون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ".
سابعاً: إدخال بعض المصلين أجهزة الجوال إلى المساجد: وبها نغمات موسيقية، وهذه النغمات لا تجوز خارج المسجد، فكيف بالمسجد؟! قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ".
وقدصدرت فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم النغمات الموسيقية الصادرة من هذه الجوالات، ولا شك أن إدخالها إلى هذه المساجد انتهاك صريح لحرمتها، إضافة إلى إيذاء المصلين وإفساد صلاتهم، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
ثامناً: الصلاة في الملابس التي فيها صور، والصور منهي عنها على وجه العموم، فكيف بالمسجد؟! روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ، لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ".
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي الهياج الأسدي أن عليًّا رضي الله عنه قال له: ألا أبعثك على ما بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ "لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا".
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
((د. أمين بن عبدالله الشقاوي))