معلومات العضو
معلومات إضافية الجنس : عدد المساهمات : 131 نقاط : 231 السٌّمعَة : 2 تاريخ الميلاد : 15/06/1990 تاريخ التسجيل : 10/07/2013 معلومات الاتصال | موضوع: تفسير سورة التكوير السبت 31 أغسطس 2013 - 10:02 | |
| تفسير سورة التكوير
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾1
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
هذه سورة التكوير يبين الله -جل وعلا- فيها حال الخلق حين تقوم الساعة، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ »2 و ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾4 و ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾5 وهذا الحديث حسنه بعضهم، ولكن الظاهر أنه حديث لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن راويه عن عبد الله بن عمرو -وهو عبد الله بن يزيد الصنعاني- لم يتأهل لمثل رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو، والصواب أنه حديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه السورة قرئت عند أبي الوفاء ابن عقيل، فسأله سائل فقال له: هب أن الله -جل وعلا- بعث الخلق وجازاهم، فلماذا يكور الشمس، ويذهب النجوم، ويسير الجبال. .. إلى غيرها؟ فأجاب عنه ابن عقيل بأن الله -جل وعلا- خلق هذه الدار، وخلق لها سكانا، فلما ذهب أهلها خربت، وكذلك الله -جل وعلا- خلق هذا الكون؛ ليستدل به العباد على الله -جل وعلا-، فإذا كان يوم القيامة فإن هذا الكون يخرب وما فيه؛ ليظهر الله -جل وعلا- للملحدين والكافرين أن هذه النجوم التي كانوا يعبدونها، أو الشمس التي كانوا يعبدونها، أو الحجارة التي كانوا يعبدونها من دون الله -جل وعلا- أنها ذهبت وتلاشت، ولم يبق إلا الله -جل وعلا- ليستدل به على أن الله -جل وعلا- هو مدبر هذا الكون وما فيه .
قال الله -جل وعلا-: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾3 يعني: أن الشمس يوم القيامة تكور وتلف كما تلف العمامة، فيذهب ضوءها، ثم بعد ذلك تلقى في النار، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري أنه قال: « الشمس والقمر يكوران يوم القيامة »6 وجاء من طريقين آخرين في غير صحيح البخاري من حديث أبي هريرة، وأسانيدها ظاهرها الصحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن الشمس والقمر ثوران في النار، عقيران يوم القيامة »7 معناه: أنهما يكونان كالثورين المجروحين، إذا ألقي بهما في النار يوم القيامة .
والله -جل وعلا- قد بين معنى هذه الآية وأن الشمس يذهب ضوءها في قوله -جل وعلا-: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾8 فهما يجمعان ويلقيان في النار، قد جاء ذلك عن غير واحد من السلف .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾9 معناه: أن النجوم تتساقط وتنتثر، كما أخبر الله -جل وعلا- في قوله: ﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴾10 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾11 وقد تقدمت هذه الآية. ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾12 يعني بالعشار: الإبل التي تكون الواحدة منها قد بلغت عشرة أشهر في حملها، فإن العشار جمع عشراء؛ والعشراء: هي الناقة الحامل إذا بلغت عشرة أشهر تسمى عشراء، حتى تضع ما في بطنها بتمام العام، قال الله -جل وعلا- في هذه الآية: ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾12 يعني: أن أهل هذه الإبل يعطلونه، ولا ينتفعون بها؛ لأنهم قد جاءهم ما يشغلهم من الأمور العظام .
ونبه الله -جل وعلا- بالعشار؛ لأنها كانت أموالا نفيسة عند العرب، ويحتمل -كما دل عليه ظاهر هذه الآية- أن الناس يعتنون بها في آخر الدنيا، حتى يتحقق ما قاله الله -جل وعلا- في هذه الآية .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾13 أي: أن الوحوش التي في الصحاري تنفر من الناس، لا يستطيعون إمساكها إلا بشق الأنفس، يجمعها الله -جل وعلا- إذا قامت الساعة؛ لأن الله -جل وعلا- يجمع الخلائق كلهم، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾14 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾15 يعني: أن البحار يوم القيامة تسجر، ويوقد عليها حتى تكون نارا، وهذا كما قال الله -جل وعلا- في سورة الطور: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾16 ؛ لأن هذه البحار يوم القيامة ينفجر بعضها على بعض، وتكون شيئا واحدا ويزول الحاجز الذي جعله الله -جل وعلا- بينها، كما في قوله -تعالى-: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾17 فإذا انفجر بعضها على بعض أججها الله -جل وعلا- نارا، وتفجير بعضها على بعض سيأتي في سورة الانفطار -إن شاء الله-.
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾18 أي: أن كل نفس تجمع إلى نفسها التي تشاركها في الصفة، فيجمع أصحاب اليمين إلى أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال إلى أصحاب الشمال، والمقربون يجمعون بعضهم إلى بعض، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾19 وقال -جل وعلا-: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾20 فكل رجل وكل امرأة يجمع إلى من يشاركه في الأوصاف؛ فالمؤمنون يجمعون إلى المؤمنين، والمنافقون يجمعون إلى المنافقين، والكفار يجمعون إلى الكفار، يقرن بين كل نفس وأخرى .
وقد جاء في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « وإذا النفوس زوجت: الضرباء يعني: الأصناف؛ كل رجل يجمع إلى كل قوم يعملون عمله »7 وهذا الحديث أورده الحافظ ابن كثير وسكت عليه، وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ في سنده الوليد بن عبد الله بن أبي ثور، وهو رجل ضعيف، ولكن السلف، كثير من السلف على تفسير هذه الآية بما تقدم .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾21 العرب كانوا في الجاهلية يئدون البنات، بمعنى: أنهم كانوا يدفنونهن وهن أحياء، فحرم الله -جل وعلا- ذلك عليهم؛ لأنه لا يحل أن تقتل نفس إلا بحق، وهذه نفس قتلت بغير حق، ولبشاعة هذه الجريمة سواء في تنفيذها، أو في الباعث عليها، فإن الله -جل وعلا- يسأل أصحابها يوم القيامة سؤال تبكيت+ وتقريع لهم على رءوس الأشهاد؛ لأنهم لا جواب عندهم، والله -جل وعلا- لا يسألهم سؤال المستعلم؛ لأنه يعلم ذلك، وإنما يسألهم -جل وعلا- ليقرعهم ويوبخهم في ذلك اليوم العظيم؛ كما قال الله -جل وعلا- في سورة المائدة: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾22 فالله -جل وعلا- لا يسأل عيسى ابن مريم يوم القيامة سؤال استعلام واستخبار، وإنما يسأله -جل وعلا-؛ ليقيم الحجة ويقرع ويوبخ أولئك الذين عبدوا عيسى - عليه السلام -.
والعرب بين الله -جل وعلا- سبب وأدهم للبنات في سورة النحل، في قوله -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾23 فهم كانوا يرون البنت عارا على أهلها، فيئدونها من أجل ذلك، وذكر بعض العلماء -أيضا- أنهم كانوا يئدون البنات، وربما الذكور معهم لأمر آخر وهو خشية الفقر، كما قال الله -جل وعلا-في سورة الأنعام: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾24 وقال -جل وعلا- في سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾25 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾26 يعني: أن الصحف يوم القيامة -صحف العباد- تنشر؛ ليراها كل عبد، ويقرأ ما فيها؛ لتقام عليه الحجة، والحجة قائمة ببعث الأنبياء والمرسلين، ولكن هذا من عدل الله -جل وعلا- وهذه الآية كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾27 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴾28 يعني: أن السماء يوم القيامة تكشط، وتنزع كما ينزع الجلد من الشاة، وقد تقدم بيان ذلك في سورة النبأ.
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾29 يعني: أن النار يوم القيامة يوقد عليها إيقادا بليغا شديدا. قال بعض العلماء: إنها يوقد عليها إيقادا شديدا؛ لغضب الرب -جل وعلا- في ذلك اليوم غضبا عظيما، لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن سبب تسجيرها وتأجيجها في ذلك اليوم هو غضب الرب -جل وعلا-؛ ولهذا رب العالمين سمى هذه النار سعيرا في مواضع من كتابه .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾30 يعني: أن الجنة تقرب لعباد الله المؤمنين، فيرونها قبل أن يدخلوها، وهذا زيادة في نعيمهم؛ كما قال الله -جل وعلا- في سورة الشعراء: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾31 وقال -جل وعلا- في سورة ق: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾32 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾33 وهذا هو جواب الشرط في أول السورة؛ فقد ذكر الله -جل وعلا- لهذا اليوم، أو ذكر أنه يجري في ذلك اليوم اثنا عشر أمرا؛ ستة منها وقت قيام الساعة، وستة منها بعد قيامها، وقوله: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾33 أي: أن كل نفس يوم القيامة تعلم علما يقينيا، لا شك فيه، ما عملته في طيلة حياتها، سواء ما عملته في أول عمرها، أو في آخره، أو ما سنته فعمل به بعد وفاتها، كل ذلك من خير أو شر فإنه يحضر يوم القيامة، ويعلمه العباد، ويرونه رأي العين؛ كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾34 وقال -جل وعلا-: ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾35 وقال -جل وعلا-: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾36 وقال -جل وعلا-: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾37 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ﴾38 هذا قسم من الله -جل وعلا-، وهذا القسم من الله -جل وعلا- بشيء من مخلوقاته، والله -جل وعلا- يقسم بما شاء، وأما المخلوقون فلا يقسمون إلا بالله -جل وعلا-.
فالله أقسم في هذه الآية بالنجوم، وهذه النجوم أقسم الله -جل وعلا- بها حالة طلوعها، وحالة اختفائها، وحالة جريانها، وحالة غيابها، فقول الله -جل وعلا-: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾39 الخنس جمع خانس، والخنس: هو الاختفاء، فهذه النجوم إذا طلع النهار اختفت، وإذا زال النهار ظهرت، وقوله -جل وعلا-: ﴿ الْجَوَارِي ﴾40 أي التي تجري، وهذه النجوم يسيرها الله -جل وعلا- بأمره في السماء. وقوله: ﴿ الْكُنَّسِ ﴾41 الكنس جمع كانس.
وهذه النجوم يسيرها الله -جل وعلا- بأمره في السماء. وقوله: ﴿ الْكُنَّسِ ﴾41 الكنس: جمع كانس، يقال: فلان أوى إلى كناسته أي: إلى بيته، والمراد بذلك: غروب النجوم؛ لأن الشمس؛ لأن النجوم لها اختفاء في النهار، ولها غروب، ولها طلوع، ولها جريان، فأقسم الله -جل وعلا- بهذه النجوم.
والدليل على أن المراد بهذه الآيات النجوم -أن الله -جل وعلا- قرن هذه الآية بالليل والصبح، وهذا دليل على أن المراد بهذه الآية النجوم، وليس الظباء أو البقر، كما قال بعض العلماء، وكذلك يدل على أن المراد بقوله -جل وعلا-: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ﴾38 يدل على أن المراد بها النجوم -الشبه الحاصل بين النجوم والقرآن؛ فالنجوم جعلها الله -جل وعلا- علامات يهتدي بها، ورجوما للشياطين، وهذا القرآن العظيم جعله الله -جل وعلا- هداية للخلق وداحضا ودافعا لكل الشبهات، فناسب أن يكون المراد بقوله -جل وعلا-: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ﴾38 المراد النجوم؛ لأن الله -جل وعلا- أقسم بذلك على كتابه الكريم في قوله: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾42 .
وقوله -جل وعلا-: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾43 كلمة "عسعس" هذه من ألفاظ الأضداد في لغة العرب؛ فتاتي بمعنى أقبل، وتأتي بمعنى أدبر، وبهما فسرت هذه الآية، ودل القرآن على هذين التفسيرين، فبعض العلماء قال: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾43 معناه: أقبل؛ كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾44 ﴿ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾45 وبعض العلماء يقول: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾43 إذا أدبر؛ كما قال الله -جل وعلا- في سورة المدثر: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾46 ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾47 المراد بذلك: الصبح إذا أسفر وظهر؛ لأنه يخرج معه نسيم في أول الصباح كما يخرج النسيم من الجوف، وهذا معنى قوله -جل وعلا-: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾48 ومعنى قوله: ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾49 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾42 أي: أن هذا القرآن قول رسول كريم، والمراد: بلَّغه رسول كريم، وهو جبريل -عليه السلام-؛ لأن الإضافة هنا إضافة تبليغ، وليست إضافة إنشاء؛ لأن جبريل مبلغ عن الله -جل وعلا-، كما قال -تعالى-: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾50 ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على أن القرآن كلام جبريل كما يصنعه أهل البدع، بل هذه الآية بدلالة الآيات الأخرى تدل على أن هذا القرآن من عند الله، وأن جبريل وظيفته التبليغ.
فإن الله -جل وعلا- أخبرنا أن هذا القرآن كلامه؛ في قوله -جل وعلا-: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾51 ثم إن الله -جل وعلا- أضاف في القرآن -في هذه السورة- إلى الرسول الملكي، وهو جبريل، وأضافه في آية الحاقة إلى الرسول البشري، وهو نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
وقد دلنا على أن المراد به النبي -صلى الله عليه وسلم- في سورة الحاقة قوله -جل وعلا- بعد قوله: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾52 ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾53 .
والمشركون إنما وصفوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما جاء به بالشعر والكهانة، ولم يصفوا بذلك جبريل -عليه السلام-، وأما هذه الآية التي معنا فدلنا على أن المراد به جبريل -عليه السلام- ما ذكر بعدها من الأوصاف، كما يأتي -إن شاء الله-.
فالله -جل وعلا- في سورة الحاقة أضاف هذا القرآن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأضافه في هذه السورة إلى جبريل، ولو كان المراد إنسان -يعني أن جبريل أنشأ هذا القرآن من عنده، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنشأ هذا القرآن من عنده- لوقع في ذلك تناقض لاختلاف النسبتين؛ لأن الحاقة فيها نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي التكوير فيها نسبته إلى جبريل.
ثم إن الله -جل وعلا- في هذه الآية، وفي الآية الأخرى قال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾42 فأضاف القول إلى الرسول، والرسول بمعنى المرسل، والمرسل هو الذي ينقل الكلام من طرف إلى طرف آخر، ولهذا لم يضف الله -جل وعلا- القرآن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- باسمه، ولا إلى جبريل باسمه؛ لم يقل: إنه لقول محمد، ولم يقل: إنه لقول جبريل، وإنما جاء بالصفة وهي الرسول؛ ليدل ذلك على أن هذه الإضافة إضافة تبليغ، وليست إضافة إنشاء.
ثم قال -جل وعلا- في صفة جبريل: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾42 فوصف -جل وعلا- جبريل بأنه كريم، وقد تقدم لنا وصف الملائكة بالكرام.
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾54 أي: أن جبريل -عليه السلام- أعطاه الله -جل وعلا- قوة؛ لينفذ لله -جل وعلا- ما أراد، كما قال -جل وعلا- في سورة النجم: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾55 يعني: علم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- هذا القرآن شديدُ القوى، وهو جبريل -عليه السلام-.
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾54 أي: أن جبريل -عليه السلام- له مكانة عند الله -جل وعلا-، ثم قال -جل وعلا-: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ ﴾56 يعني: أن جبريل -عليه السلام- مطاع عند الملائكة، يعني: هناك؛ لأن ثم معناها: هناك، أي مطاع عند الملائكة وهذا من فضل جبريل وشرفه؛ لأنه ينقل كلام الله -جل وعلا- الذي يهدي به الخلائق، ثم قال -جل وعلا-: ﴿ أَمِينٍ ﴾56 أي: أن جبريل -عليه السلام- متصف بالأمانة، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾50 .
ثم من بعد ذلك من وصف جبريل -عليه السلام- بأنه خائن للأمانة، فهو ضال مضل؛ لأن بعض أهل البدع يقولون: إن جبريل -عليه السلام- خان الأمانة فأنزل القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- وكان حقه أن يُنزَّل على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فمن قال ذلك فهو ضال خاسر؛ لمخالفته كتاب الله -جل وعلا-.
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾57 أي: ليس محمد بمجنون، وهذا رد على المشركين؛ لأنهم وصفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنون، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾58 .
وقال -جل وعلا-: ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴾59 ولهذا رب العالمين أقسم في كتابه على رد هذه الفرية: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾60 .
وهذا الوصف الذي يصف به المشركون نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليس بدعا منهم، وإنما هم مشاركون لإخوانهم المشركين الذين وصفوا الأنبياء قبل نبينا -صلى الله عليه وسلم- بذلك؛ كما أخبر الله -جل وعلا- عنهم في قوله: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾61 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾62 أي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل على صورته التي خلقها الله -تعالى- عليها بالأفق، وهو الناحية من السماء، ﴿ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾62 الواضح البين، الذي لا لبس فيه، ولا غموض. وقد جاء في الحديث « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل، وله ستمائة جناح قد سد الأفق »63 ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل -عليه السلام- على صورته مرتين:
المرة الأولى هذه في مكة بالبطحاء، والمرة الثانية عند سدرة المنتهى لما عرج به -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء؛ كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾64 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾65 أي: ليس النبي -صلى الله عليه وسلم- على الغيب بمتهم، والمراد بالغيب هو هذا الوحي الذي ينزله الله -جل وعلا- عليه، وجاء في قراءة سبعية بالظاء: "بظنين" والمراد ليس ببخيل، وكلاهما قراءتان متواترتان، ويستفاد منهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تبليغه لهذه الرسالة لم يكن بخيلا بها على أحد، ولم يكن بخيلا بها فينقص منها شيئا، وكذلك يستفاد من القراءة الأخرى ﴿ بِضَنِينٍ ﴾65 وأنه غير متهم أنه -صلى الله عليه وسلم- قد بلغ هذا التنزيل، كما أمره ربه -جل وعلا- في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾66 .
ولهذا لو أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ظن بهذا التنزيل لعاجله الله -جل وعلا- بالعقوبة؛ كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾67 لو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ما يكون به تهمة له في تبليغ هذه الرسالة، لعجله الله -جل وعلا- بالعقوبة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- قد حفظ هذا التنزيل، وبلغه كما أمره ربه -جل وعلا-، ولهذا قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾68 .
قال الله -جل وعلا-: ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾69 أي: أن هذا القرآن ليس الذي يلقيه على النبي -صلى الله عليه وسلم- شيطان، كما أنه -صلى الله عليه وسلم- ليس بساحر ولا بكاهن؛ لأن الشياطين تتنزل على السحرة والكهنة بما تسرقه من السمع، وأما هذا التنزيل الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قطعا من عند الله -جل وعلا-؛ كما قال - تعالى-: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾70 ولهذا نفى الله -جل وعلا- أن يكون قول ساحر، أو قول شاعر، أو قول كاهن، كما في آيات كثيرة من كتاب الله -جل وعلا-؛ لأن هؤلاء السحرة والكهنة يتلقون هذه الأخبار من مسترقي السمع، وأما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فهذه أخبار من عند الله -جل وعلا- بواسطة الروح الأمين جبريل -عليه السلام-.
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾71 لما بين الله -جل وعلا- صحة رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنها حق، وأن هذا القرآن حق من عند الله قد حفظه الله -جل وعلا-، قال -جل وعلا-: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾71 يعني: أين تذهب عقولكم عن هذا الحق ؟؛ لأنه ليس هناك إلا حق أو باطل، والعاقل يتبع الحق ويدع الباطل.
فالله -جل وعلا- يقول لهم: فأين تذهب عقولكم؟ يعني: تذهب عن الحق، وتقصد الضلال، ولهذا قال الله -جل وعلا- في آيات أخرى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾72 .
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾73 يعني: هذا القرآن لما لم يكن متقولا على الله، وليس بتنزيل شياطين، إنه ذكر للعالمين؛ أنزله الله -جل وعلا- على نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليتذكروا به ويتعظوا ويعتبروا، وقد تقدم لنا ذلك في سورة [ عبس ].
ثم قال -جل وعلا-: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾74 أي: أن هذا القرآن أنزله الله -جل وعلا- ذكرا لمن أراد الله -جل وعلا- له الهداية، ولمن طلب أسباب الهداية، فقوله -جل وعلا-: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾74 فيه إثبات أن العبد له فعل وله قصد، ولكن هذا القصد لا يقع إلا إذا شاءه الله -جل وعلا-، ومشيئته لا تتحقق إلا بعد مشيئة الله -جل وعلا-. ففي هذه الآية: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾74 رد على الجبرية، الذين يقولون: إن العبد مجبور على أعماله.
وفي قوله -جل وعلا-: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾75 رد على القدرية النفاة الذين يقولون: إن الأفعال كلها منسوبة للعبد ليس لله -جل وعلا- فيها مشيئة، وأما مذهب أهل السنة والجماعة -كما دلت عليه هذه الآية- أن للعبد مشيئة، ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-؛ لأنه إذا كان فعل العبد يقع بغير مشيئة الله، فإنه يقع في ملك الله -جل وعلا- ما لا يشاءه الله إليه ولا يريده، وذلك خلاف ما وصف الله -جل وعلا- به نفسه حتى في هذه الآية التي معنا بقوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾75 ؛ لأن الرب هو المالك للخلق، المدبر شئونهم. نعم. |
|
معلومات العضو
معلومات إضافية الجنس : عدد المساهمات : 2119 نقاط : 2129 السٌّمعَة : 7 تاريخ الميلاد : 27/11/1999 تاريخ التسجيل : 03/08/2013 الموقع : algeria معلومات الاتصال | موضوع: رد: تفسير سورة التكوير السبت 31 أغسطس 2013 - 17:17 | |
| |
|