بسم الله الرحمن الرحيم
اعْلَمْ يا صاحبَ النَّجابَةِ والفِطْنَة أنَّ منَ البَلادَةِ والرُّعونَةِ اعتقادَ أنَّ كُلَّ اجْتماعٍ محمودٌ، وأنَّ كلَّ تَفَرُّقٍ مذمومٌ، فقدِ اجْتَمَعَ الكُفَّارُ من الوثَنيينَ وأهلِ الكتابِ والمُنافقينَ تَحْتَ رايةٍ واحدةٍ في الخَنْدَقِ، وهذا اجْتِماعٌ......وتلكَ جماعةٌ.
ثم أَلَمْ يُفَرِّقِ الإسْلامُ بينَ الأخِ وأخيهِ، والرَّجُلِ وزَوجِه إن تَفَرَّقوا في الدِّينِ؟! فالاجْتِماعُ على الباطِلِ باطِلٌ لا تَرْضاهُ الشَّريعةُ، والتَّفَرُّقُ لأجْلِ الحَقِّ حَقٌّ واجِبٌ.
ولقدْ فرَّقَ نبيُّ اللهِ صالحٌ بينَ قومِه، فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ، فكانَ التَّفرُّقُ محموداً، واجتمَعَ فريقُ الكُفرِ في قومِ ثمودَ على قتْلِ النبيِّ صالح : "قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ" فكانَ اجْتماعُهُم كُفْراً.
فمِن مُبطلاتِ الحصافَةِ! أنْ تَجعَلَ من مناقبِ إنْسانٍ أنَّهُ "يَجْمعُ ولا يُفَرِّقُ" فقد يجمَعُ على باطلٍ، ولا يُفرقُ لأجْلِ حَقٍّ.
ولقد قالَ ربُّنا في مُحكمِ كتابِه: إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا فهذا اجتماعٌ، وجمْعٌ، فاتفقَ الكُفارُ والمنافقونَ على أن يجمعوا أسبابَ اجتماعِهم في نارِ جهنَّمَ، وهذا شرُّ اجتماعٍ، وأسوأُ اتفاقٍ، فكيفَ يقولُ المُسلمُ بعدَ ذلك إنَّ كلَّ اجتماعٍ محمودٌ، وكل تفرقٍ مذمومٌ؟!
وأيضاً اجتمعَ الكُفارُ والمنافقونَ أيضاً بخاصيةِ الاجتماعِ الظاهر مع حقيقةِ التفرق كما قال ربُّنا : تحسبُهُم جميعاً وقلوبُهُم شتى
واللهُ وليُّ التوفيقِ.