من يبتعد عن الله يكون عدوانياً :
لذلك مرة قرأت إحصاء، أنه لو أوقفنا الحروب لاستطاع كل إنسان على وجه الأرض من ستة آلاف مليون أن يكون نصيبه مئة دولار كل شهر، كل إنسان حتى الصغار، في ستة آلاف مليون، ستة آلاف مليون إنسان، صغار أو كبار يستطيعون أن يأخذوا مئة دولار كل شهر، هذه نفقات الحروب، ثلثا الدخول القومية للبلاد تذهب للجيوش والاستعداد للحرب، لأن الإنسان:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
[سورة المعارج]
وحينما يبتعد عن الله يكون عدوانياً.
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾
لماذا الأعراب أبعد عن الإيمان من أهل المدن؟ بعد قليل يأتي التفسير.
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ﴾
ألا يشاركوا في المعركة، أن يبتعدوا عن القتال، أن يبقوا في بيوتهم، في بساتينهم، تحت الظل الظليل، المعركة التي تتحدث عنها هذه الآيات في أماكن بعيدة جداً، في مؤتة، والوقت صيف، والحر شديد، والمسافة بعيدة، والمشقة كبير، فلذلك المنافق آثر السلامة فادعى أنه مريض، ادعى أن أهله مرضى، قدم عذراً كاذباً.
لذلك:
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ﴾
ألا يشاركوا في المعركة، المنافق يريد المغانم لا المغارم، المغارم يبتعد عنها، المغانم يكون في أول صف، ما دام هناك توزيع غنائم، وجاهة، مكانة، وليمة، دعوة، احتفال، أول إنسان، في البذل والتضحية يبتعد.
الكذب على الله وقاحة وجهل كبير:
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
الإنسان يكذب، لكن الحقيقة أن المؤمن قد يخطئ، وقد تغلبه شهوته، لكنه لا يكذب، لو ألغينا الكذب في حياتنا لحلت معظم مشكلاتنا، المؤمن لا يكذب.
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
تكذب على من؟ على الذي خلقك؟ على الذي يربيك؟ على الذي مصيرك بيده؟ على الذي:
﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
عن الذي:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
عن الذي يعلم
﴿ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
تكذب على من؟.
الإنسان أحياناً يكذب على إنسان آخر، الإنسان الآخر قدراته محدودة، موظف لم يأتِ إلى الدائرة، قد يقول للمدير: زوجته مريضة، المدير لا يوجد عنده إمكان أن يعرف الحقيقة، لكن تكذب على الله الذي يعلم كل شيء؟ فالكذب على الله وقاحة، وجهل كبير.
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ﴾
ألا يحاربوا، هم أشداء، أقوياء، معهم الرواحل، معهم السلاح، ومع ذلك ادعوا المرض، أو ادعوا الفقر، أو ادعوا الضعف.
﴿ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
يقول الله عز وجل:
﴿ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ ﴾
معنى هذا أن المنافقين كفار، إن المنافقين هم الكافرون، كفار، لكنهم أخفوا كفرهم وأظهروا إيمانهم المصطنع.
إذا أراد الله شيئاً وقع و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة :
﴿ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
وهذه السين للاستقبال، وإذا أراد الله شيئاً وقع، والمقولة الدقيقة جداً: إذا أراد الله لشيء أن يقع لابد من أن يقع، لأن إرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، كل شيء وقع أراده الله، أي سمح به.
بالمناسبة: قد يتصور متصور أنه إذا كان وقعت حرب الله أرادها، أي سمح بها، لكن لم يرضها، ولم يأمر بها، هناك فرق بين الإرادة وبين الأمر والرضا، يقول علماء العقيدة: أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، لأن الله أعطى الإنسان حرية، كيف يقيّم عمل الإنسان؟ في ضوء حريته.
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
[سورة الكهف الآية: 29]
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
[سورة الإنسان]
إذا ألغينا الحرية ألغينا الدين، ألغينا الاختيار، ألغينا حمل الأمانة، ألغينا التكليف، ألغينا الثواب، ألغينا العقاب، ألغينا الجنة، ألغينا النار.
الله تعالى أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً :
أخوتنا الكرام، في اللحظة التي تتوهم أن الإنسان مجبور على كل أعماله، الإنسان مجبور سماها علماء العقيدة عقيدة الجبر، يتوهم بعض الجهلة أن الإنسان ما بيده شيء، حتى كفره أُجبر عليه، حتى لو شرب الخمر، الأعوام لهم كلامات هي الكفر بعينه أحياناً، يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة، أي الله عز وجل قدر عليه شرب الخمر، ثم يحاسبه عليه، مستحيل، هل تقبل هذا من مدير مؤسسة؟ أن يأمر موظفاً أن يسافر إلى مكان كذا ثم يحاسبه على هذا السفر؟ أنت أمرتني، هل تتوهم أن الله قدر على الكافر كفره؟ أو قدر على العاصي معصيته؟ أعوذ بالله.
﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾
[سورة الأعراف الآية:28]
أخواننا الكرام، مرة ثانية: ما لم تؤمن يقيناً أنك مخير، وأن أعمالك ستحاسب عليها، وأنها من اختيارك، لو ألغيت هذا ألغيت الجنة، ليس لها معنى، حتى إن بعض الصحابة الكبار قالوا: لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصَ مغلوباً، ولم يطع مكرهاً.
الإنسان مخير :
أنت مخير، وأكثر الناس يتوهمون أنهم مجبرون، هذه الفكرة مريحة لكن غير صحيحة، أخي ليس بيدي، الله قدر علي ذلك، الجواب:
﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾
﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[سورة الأعراف]
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
[سورة الأنعام]
في اللحظة التي تتوهم فيها أنك مجبر، وأن الله قدر عليك هذه الأعمال السيئة التي فعلتها، في هذه اللحظة تكون قد خرجت من أدق عقيدة في الإسلام لأنك مخير، لكن أنت مسير في كونك ذكراً أو أنثى، أنت مسير في أمك وأبيك، أنت مسير في مكان ولادتك، مسير في زمان ولادتك، مسير في إمكاناتك، لكن حينما تكتشف في وقت لاحق يوم القيامة أن هذا الذي سيرك الله إليه من مكان ولادتك، وزمان ولادتك، ووالدك، ووالدتك، وإمكاناتك، وكونك ذكراً أو أنثى حينما تكتشف أن هذا الذي سيرك الله إليه هو حكمة بالغة بالغة، وليس في الإمكان أبدع مما كان، عندئذٍ تستسلم، فيما لست مخيراً به هو لصالحك، وهذا يكتشف يوم القيامة، فقد قال الإمام علي كرم الله وجهه:" لا يظهر سر القضاء والقدر إلا يوم القيامة "، تكتشف، من هنا الخلائق كلها تقول:
﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
[سورة يونس]