الحمى الصفراء yellow fever خمج حاد قصير الأمد، متباين الشدة، يسببه الفيروس المصفِّر flavivirus، وينتقل إلى الإنسان عن طريق لدغ أنواع من البعوض، فيُحدث عند البشر مرضاً حمياً يترافق بأذيات كبدية وكلوية وظهور خثرات داخل الأوعية الدموية.
تشاهد الحمى الصفراء في أمريكة اللاتينية في مناطق الغابات وتتبع في انتشارها شريطاً يمر من بوليفية والبرازيل وكولومبية والبيرو؛ كما تنتشر في إفريقية بين خطي عرض 15 شمالاً و10 جنوباً، أي في المناطق التي تمتد في الصحراء الإفريقية الكبرى جنوباً عبر شمال أنغولة والكونغو الديمقراطية وتنـزانية. وقد حدثت أوبئة ريفية في إثيوبية بين عامي 1960 و 1962 أدت إلى وفاة 15 ألف إنسان، وظهرت 20.000 إصابة في نيجيرية بين عامي 1986 و1991 نجمت عنها 4000 حالة وفاة. ولا توجد بينات تشير إلى أنها موجودة في آسيا.
هناك نمطان لانتقال الداء: النمط الذي يحدث في المدن والأرياف، وفيه ينتقل الفيروس من شخص مخموج إلى آخر سوي بوساطة نوع من البعوض يسمى الزاعجة المصرية Aedes aegypti. والإنسان في هذا النمط هو الذي يؤلف مستودع الفيروس، فالزاعجة تمتص الفيروس بلدغها إنساناً مصاباً ثم تنقله بعد فترة إلى إنسان سوي؛ في حين ينتقل هذا الفيروس في غابات أمريكة الجنوبية وأدغالها بلدغ أنواع من بعوض الغابات للإنسان كالزاعجة الإفريقية ونوع من المحملقة الدموية haemagogus. وليس للإنسان في انتقال الحمى الصفراء في الأدغال أو في الحفاظ على الفيروس فيها دور هام لأن المستودع هنا هي القردة والنسانيس وربما الجرابيات marsupials أيضاً.
تمتد فترة حضانة المرض عند الإنسان، بعد لدغة البعوضة المصابة من 3 أيام إلى 6. ثم يتطور الخمج وفق مرحلتين متتاليتين. تبدأ الأولى بارتفاع حرارة مفاجئ تصل إلى 40 درجة وتترافق بصداع واحتقان الوجه واحمراره مع آلام متعممة. ويطلق على هذه المرحلة اسم المرحلة الحمراء، وتستمر أعراضها نحو أربعة أيام تتبعها هدأة ظاهرية تبقى مدة 12 إلى 24 ساعة تختفي فيها معظم العلامات العامة. ثم ينتقل الخمج إلى المرحلة الثانية وتسمى المرحلة الصفراء أو المرحلة الكبدية الكلوية، وفيها يظهر يرقان يشتد تدريجياً، وقد يترافق بنـزوف مخاطية جلدية وهضمية مع إقياء دم أسود يعدّ علامة واسمة للداء، كما تظهر بيلة آحينية. وغالباً ما تنتهي الحالات الشديدة بالموت بعد عشرة أيام. ولكن إذا سار الخمج نحو التحسن زال اليرقان بعد أسبوعين إلى ثلاثة، وتم الشفاء دون عقابيل، واكتسب المرء بعدها مناعة دائمة. كما يكتسب الرضع المولودون من أمهات منيعات مناعةً منفعلة تدوم نحو ستة أشهر.
ولتأكيد التشخيص إضافة إلى الأعراض السريرية هناك عدة فحوص مخبرية يمكن إجراؤها منها: محاولة استفراد الفيروس من الدم، وتحري الأضداد النوعية في دم المرضى، والقيام بفحوص خلوية على خزعات من الكبد، كما يمكن إظهار الفيروس في الدم بطريقة الإليزا ELISA (أي مقايسة الممتز المناعي المرتبط بالإنزيم)، أو تحديد هوية مجين genome الفيروس في الدم ونسيج الكبد بتفاعل سلسلة البولميراز P.C.R، ومع هذا لا فائدة من إجراء هذه الفحوص المخبرية لكل مريض في سياق وباء تم إثبات هوية الفيروس فيه.
ليس لفيروس الحمى الصفراء دواء نوعي يؤثر فيه ومعالجة المريض تكون عرضية فحسب. ولكن للوقاية منه هناك لقاح مهيأ من الذرية D17 الحية الموهنة، ويعطى بزرقة واحدة، فتظهر في جسم الإنسان الأضداد بعد 7 أيام إلى 10 تكسبه مناعة جيدة تستمر مدة 30 إلى 35 سنة، وإن كانت إعادة التلقيح بعد 10 سنوات ما زالت مطلوبة طبقاً للوائح الصحية الدولية. يعطى هذا اللـقاح بدءاً من سـن 9 أشهر إلى الأشخاص الذين تدفعهم مهنتهم إلى دخول الغابات ولجميع الأفراد المعرضين للخمج بسبب الإقامة في مناطق موبوءة أو العمل فيها، أو السفر إليها.