السبات coma هو حالة من فقد الوعي لا يستجيب المصاب بها للمنبهات الخارجية. ويقال إن الشخص واعٍ عندما يكون يقظاً ومدركاً لذاته ولما يحيط به.
تنتج حالة الوعي من تآثر عمل الجذع الدماغي brainstem وقشر المخ cortex والجملة الشبكية المنشطة activating reticulum formation وتدعى أيضاً التشكلات الشبكية. يضطرب الوعي عندما يختل عمل أحد هذه الأجزاء الثلاثة من الدماغ ويحصل ذلك في الحالات الآتية:
ـ تعطل عمل مجمل أجزاء الدماغ التالي لحدوث اضطراب استقلابي metabolic وخيم مثل الفشل الكلوي (اليوريميا) أو نقص سكر الدم أو زيادته أو تناول أحد السموم الخارجية ولاسيما الأدوية المركنة sedative، ويحدث السبات في هذه الحالات بسبب عدم وجود كمية كافية من المغذيات nutrients والأكسجين في المادة الدماغية كما هو الأمر في عوز الأكسجينanoxiaوالإقفار ischemia ونقص سكر الدم، أو بسبب الاضطراب الحاصل في استثارية excitability الخلايا العصبية والتسمم الدوائي، والتسمم الكحولي، والصرع epilepsy. قد تؤدي هذه التبدلات إذا كانت خفيفة إلى حالة مخففة من اضطراب الوعي تدعى التخليط الذهني confusionبسبب الخلل الحاصل في عمل القشر الدماغي.
ـ تخرب جزء كبير من نصفي الكرة المخيين.
ـ اضطراب عمل الجملة الشبكية المنشطة بسبب وجود آفة موضعة في الجذع الدماغي، أو بسبب وجود آفة كتلية داخل القحف cranium تضغط على الجذع الدماغي وتخل بعمل هذه الجملة.
يشبه مظهر المسبوت مظهر الشخص النائم ويتميز بأن المسبوت لا يستجيب للمنبهات الخارجية، ولذلك لايمكن إيقاظه. أما الحالات التي يضطرب فيها وعي الشخص بشدة إلا أنه يستجيب قليلاً مع ذلك للمنبهات الخارجية الشديدة أو المتكررة (مثل النداء بصوت عال، أو وخز إحدى نواحي الجسم) فيطلق عليها اسم السبات الجزئي semicoma أو الذهول stupor.
يلتبس السبات ببعض الحالات المرضية الأخرى التي يجب تفريقه عنها وأهمها:
ـ الحالة الانباتية vegetative state: يستلقي الشخص في هذه الحالة مفتوح العينين مما يعطي الانطباع باليقظة، إلا أنه لا يستجيب للمنبهات الخارجية ولا يدرك ما يدور حوله. تحدث هذه الحالات بعد الأذيات الواسعة في قشر الدماغ الناجمة عن رضوض الرأس، وكثيرا ما يسبقها وجود الشخص بحالة سبات استمرت مدة طويلة.
ـ متلازمة الانحباس locked-in syndrome: وفيها يكون الشخص يقظا إلا أنه غير قادر على الكلام أو القيام بحركات إرادية، ويرجع سببها عادة إلى وجود احتشاء infarct واسع في الجذع الدماغي.
ـ الموت الدماغي brain death: يفقد الشخص في هذه الحالة الوعي، إلا أنه يفقد في الوقت نفسه القدرة على التنفس التلقائي، ويعتمد استمرار العلامات الحياتية حينئذ على التنفس الصنعي.
أسباب السبات
تتعدد الأسباب التي تؤدي لسبات وتختلف آلية حدوثه من حالة لأخرى، وأهم هذه الأسباب هي الآتية:
ـ رضوض الرأس ولاسيما الرضوض المغلقة التي تحدث خللاً هاماً في عمل الدماغ وهي من أكثر أسباب السبات مصادفة.
ـ التسممات ومن أهمها التسمم الكحولي والتسمم بأكسيد الكربون والتسممات الدوائية ولاسيما تلك الناجمة عن مثبطات الجملة العصبية (المركنات) وهي سبب شائع للسبات.
ـ الاضطرابات الاستقلابية ومن أكثرها شيوعاً نقص سكر الدم أو فرطه، وقصور الكبد hepatic insufficiency، والفشل الكلوي، والقصور التنفسي، وفرط الكلسمية hypercalcemiaأو نقصها، وفرط صوديوم الدم أو نقصه، والحماض الاستقلابي.
ـ فرط حرارة الجسم أو فرط برودته، انتان الدم septicemia، وإصابة الدماغ بالبرداء (الملاريا).
ـ الآفات الموضعة داخل القحف: كالنزف أو الاحتشاء الذي يتناول الجذع الدماغي خاصة، والنزوف أو الاحتشاءات أو الأورام أو الخراجات التي تتوضع في أحد نصفي الكرة المخية وتضغط على الجذع الدماغي، والنزوف السحائية كالنزف فوق الجافية (الأم الجافية) dura mater والنزف تحت الجافية التي تضغط على الدماغ وتسبب انزياحه عن موضعه وضغطه على الجذع الدماغي.
ـ التهابات الدماغ، واعتلال الدماغ بفرط الضغط الشرياني، والنزف تحت العنكبوت (الأم العنكبوتية) arachnoid mater، والسبات التالي للنوب الصرعية epilepsy، والتهابات السحايا الحادة.
يجب الاستفسار من أهل المصاب أو أصدقائه أو الشهود عن كيفية بدء حالة السبات وما إذا كان البدء حاداً أو متدرجاً.
يمكن القول عموماً إن السبات الذي يحدث بصورة مفاجئة ينجم عن النزوف الدماغية أو التسممات أو رضوض الرأس أو توقف القلب أو الصرع، أما البدء تحت الحاد فينجم غالباً عن تطور آفة سابقة عصبية أو عامة. ولما كانت رضوض الرأس سبباً شائعاً للسبات وجب التفتيش عن العلامات الدالة على تعرض الشخص للرض مما يساعد على معرفة السبب وتوجيه المعالجة اللاحقة.
يجب الانتباه أمام كل شخص مسبوت إلى حالة تنفسه، ولابد من تحرير الطرق التنفسية من أي عائق يحول دون وصول الهواء إلى الرئتين، وقد يتطلب الأمر وضع قنية هوائية airway في الفم إذا كان المسبوت يتنفس على نحو طبيعي، أو تنبيب الرغامى وتطبيق التنفس الصنعي إذا كان تنفسه متوقفاً أو مضطرباً بشدة. قد تدل رائحة النفس على سبب السبات كرائحة الكحول في التسمم الكحولي، والرائحة الخلونية في السبات السكري، ورائحة النتن الكبدي في القصور الكبدي. كما يجب جس النبض والإصغاء لدقات القلب لأن غيابها يستدعي البدء بعملية الإنعاش القلبي التنفسي.
يقوم الطبيب بفحص كامل للمصاب عندما يصل إلى المستشفى مع التركيز على فحص الجملة العصبية بحثاً عن سبب السبات، إلا أنه كثيراً ما تتطلب معرفة السبب اللجوء إلى استقصاءات مخبرية (كعيار سكر الدم والكرياتنين وعيار الشوارد كالصوديوم والكالسيوم، واختبارات وظائف الكبد). وفحص السائل الدماغي الشوكي، إضافة إلى إجراء استقصاءات تصويرية كالتصوير الطبقي المحوري CT والتصوير بالرنين المغنطيسي MRI التي تكشف الآفات العصبية الموضعة داخل القحف.
يحتاج المسبوت إلى مراقبة دقيقة من قبل الجهاز الطبي بعد دخوله المستشفى والانتباه خاصة إلى الوظائف الحيوية الرئيسية ولاسيما التنفس والدوران، إضافة إلى العناية بالأمور الآتية: حالة الجلد وتغيير وضعية المريض بشكل متكرر تجنباً لحدوث قرحات الضغط أو الشلول التالية لضغط الأعصاب المديد، وتنظيف الفم ومص المفرزات الموجودة فيه، وإغلاق الأجفان تجنباً لحدوث أذيات في القرنية، وإعطاء كمية كافية من السوائل والمغذيات عن طريق أنبوب أنفي معدي أو عن طريق الوريد، وإفراغ المستقيم من المواد البرازية على نحو دوري، وإفراغ المثانة من البول عن طريق وضع قثطرة دائمة.
أما معالجة السبات فتختلف باختلاف السبب الذي أدى إليه إذ ترمي المعالجة في جميع الحالات إلى تجنب حدوث مزيد من الأذيات الدماغية، لذلك يعمل الطبيب على المحافظة على المستوى الطبيعي للضغط الشرياني وتصحيح الخلل الحاصل في عناصر الدم كنقص سكر الدم، وفرط الكلسمية، وفرط سكر الدم، وفرط صوديوم الدم أو نقصه الشديد، وعوز الأكسجين anoxia. وعندما يكون سبب السبات التسمم بأحد السموم المعروفة يعطى الترياق antitoxin المضاد لذلك السم إن وجد. وتعطى حالاَّت الخثرة في حالات الاحتشاء الدماغي، أو تعطى الصادات الواسعة الطيف إذا كان السبب التهاب السحايا الجرثومي.
تستطب الجراحة إذا تبين بعد تصوير الرأس وجود آفة ضاغطة داخل القحف، وفي هذه الحال يزال السبب الضاغط على الجملة الشبكية المنشطة، ومن أمثلة ذلك إفراغ ورم دموي فوق الجافية أو تحت الجافية، أو إفراغ خراجة دماغية أو استئصال ورم سحائي.
يختلف إنذار السبات باختلاف السبب الذي أدى إلى حدوثه، يمكن القول إن الإنذار في السبات الناجم عن الاضطرابات الاستقلابية افضل من ذلك الناجم عن رضوض الرأس. كما أن تقدم سن المريض وإصابته بأحد الأمراض المزمنة تسيء للإنذار، لذلك كان الإنذار افضل عند الأطفال والشبان. وإن لشدة السبات تأثيراً على الإنذار، وقد دعا ذلك الأطباء إلى وضع سلم لتقدير درجته التي تعتمد على مبلغ استجابة المريض للمنبهات الخارجية. ويعتقد بعضهم أن تحديد درجة السبات اعتماداً على هذا السلم يفيد في تعيين الإنذار على نحو خاص في السبات التالي لرضوض الرأس.