بسم الله الرحمن الرحيم
كل من أراد تأصيل مسألة شرعية لا بد من أن يقوم بجميع جميع الآيات الواردة في هذه الموضوع ،
ثم جمع الأحاديث الواردة في المسألة وتتبعها من كتب الحديث .
فلا يكفي لاستنباط حكم أو إصدار فتوى الاعتماد على نص شرعي واحد حتى ولو كان صحيحاً ،
وإغفال النظر في النصوص الأخرى ، بل لا بد من النظر في جميع النصوص الواردة في الموضوع ،
فالقرآن يفسر بعضه بعضاً ، ويحمل بعضه على بعض حتى يصح إدراك معانيه ، ويحسن فهم مراميه ،
وكذلك الحديث النبوي ، بل الأمر فيه أولى وآكد، لكثرة طرقه، واختلاف رواياته.
وهذا المعنى هو الذي عبر عنه الإمام أحمد بقوله :
" الحديثُ إذا لم تَجمع طرقه لم تفهمه ، والحديث يُفَسِّر بعضه بعضاً ".
الجامع لأخلاق الراوي (1651) .
فرب لفظة مشكلة في حديث ترد مفسرة في حديث آخر،
وقد يكون اللفظ عاماً في حديث، وله مخصص في حديث آخر، أو مطلقا وله مقيد.. أو ما إلى ذلك.
وإن كثيراً من البدع والضلالات في القديم والحديث إنما ظهرت بسبب إهمال هذه القاعدة الجليلة؛
فبعض الضلال يأخذ نصاً ويترك نصوصاً أخرى قد تكون مخصصة أو مقيدة أو مبينة..أو نحو ذلك.
قال الشاطبي: " كثيرا ما ترى الجهال يحتجون لأنفسهم بأدلة فاسدة، وبأدلة صحيحة اقتصاراً على دليل ما ،
واطِّراحا للنظر في غيره من الأدلة " . الاعتصام (1/222) .
فيسوقون النصوص الشرعية التي تؤيد فكرتهم ، ويتغاضون عن غيرها من النصوص .
ومن أمثلة ذلك:
ما تمسك به بعضهم من أن الربا المحرم هو ما كان أضعافاً مضاعفة ،
وأما إن كان (4% ) أو (7%) ونحوها فليست بمحرمة ؛ لأنها ليست أضعافا مضاعفة ،
وقد تمسكوا بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
ولم يلتفتوا إلى غيرها من النصوص التي تدل على تحريم مطلق الربا قليله وكثيره ،
كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ).
مع أن قوله تعالى : (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) ليس قيدا للربا المحرم ،
وإنما هو وصف لبيان الواقع التاريخي الذي كان يعيشه الناس في ذلك الزمان .
من كلام الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله