الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان لـ “الخبر”
”النقابات استمدت قوتها من هشاشة النظام السياسي”
يرى الحقوقي والرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، أن هشاشة النظام السياسي في الجزائر ولجوءه المفرط للتنازلات لصالح النقابات التي تخرق القانون حفاظا على وجوده وراء هذه الفوضى التي نعيشها، مؤكدا في حوار مع ”الخبر” بأن غياب ثقافة ممارسة العمل النقابي في قطاع التربية المثال، هو ما جعل ”التلاميذ ضحية في جميع الحالات”.
أين تكمن مشكلة نقابات التربية التي تدمن شن الإضرابات؟
أعتقد بأن المشكلة تكمن أساسا في غياب الثقافة الديمقراطية، بحيث أن الجزائر عاشت فترة طويلة تحت حكم الحزب الواحد، والاتحاد العام للعمال الجزائريين كان النقابة العمالية الوحيدة التي تريد السلطة سماع صوتها، لكن وبعد الانفتاح الديمقراطي وظهور نقابات مستقلة في جل القطاعات تبين بأن أغلب النقابيين في النقابات المستقلة يحصلون على حقوقهم ومطالبهم بصورة لا تعكس روح المسؤولية في كثير من الأحيان، بسبب المنافسة وحب الزعامة، ما أدى إلى انحراف بعض النقابات وأدى كذلك إلى تذمر شركائهم الأساسيين، وما تقوم به النقابات في قطاع التربية مرفوض تماما من جمعيات أولياء التلاميذ التي تنتقد الأسلوب المتكرر للإضرابات، ما يدل على أن اللجوء في معظم الأحيان إلى الإضراب وشل المدارس لا يأخذ بعين الاعتبار مصلحة تمدرس التلاميذ، ولكن يهدف فقط إلى إبراز مدى قوة نقابة على نقابة أخرى، وإذا دعت إحدى نقابات التربية إلى الإضراب ونجحت في الحصول على ما كانت تريده، تبرز نقابة أخرى في نفس القطاع لتؤكد مدى قدرتها على التجنيد، والنتيجة جعل التلاميذ ”رهينة هذا التنافس النقابي”.
لكن اللجوء إلى الإضراب حق دستوري؟
اللجوء إلى الإضراب يفترض ألا يكون إلا بعد استنفاد كل الطرق الودية وإمكانية الحوار مع المسؤولين في وزارة التربية الوطنية، أما اللجوء إلى الإضراب وتوقيف الدراسة ثم المطالبة بالحوار فهذا ليس من العمل النقابي في شيء، وهو انحراف كلي عن العمل النقابي وخروج عن الممارسة الديمقراطية، لأن المبادئ تقول إن الحوار هو ما يسود بالدرجة الأولى ثم بعدها اللجوء إلى الحركة الاحتجاجية في آخر المطاف بعد انسداد كل قنوات الحوار .
قال الأمين العام السابق للمركزية النقابية، الراحل عبد الحق بن حمودة، في لقاء مع العمال إن النقابة يجب أن تكون قوية، وكذلك يجب أن تكون عليه الدولة، إلى أي مدى توافق هذه المقولة؟
كلام النقابي الراحل عبد الحق بن حمودة كلام صائب، لأن النقابات في البلدان الديمقراطية محاصرة دائما للسلطة القائمة، وكلما تكون السلطة قائمة ومتمسكة بتطبيق القوانين، كلما تمكنت من تأطير العمل النقابي، لأن العمل النقابي معترف به دستوريا، إلا أنه يخضع للقانون، وأن الساهر على تنفيذ القوانين هو الدولة، وبالتالي إذا وقع تقاعس من طرف الدولة وعجزت عن تطبيق القانون، آنذاك يقع الانحراف، ليس فقط على مستوى النقابي، ولكن على كل المستويات .
هل تعتقد أن الإضرابات لها علاقة بالسياسة في بلادنا؟
نعم وإلى حد بعيد، فالنظام السياسي في الجزائر مع الأسف يمتاز بالهشاشة، وبالتالي يحاول قدر المستطاع الجنوح نحو التنازلات حفاظا على وجوده واستمراره، ولكن هذه التنازلات لا تخدم المجتمع بقدر ما تشجع أطرافا أخرى باللجوء على بعض الممارسات التي تخدم مصالحها، وبعيدا عن أي مطلب نقابي. والحل يكمن في إيجاد نظام سياسي قوي قادر على التطبيق الصارم للقانون وإخضاع النقابيين للقانون للوصول إلى معادلة تؤمن ”بدولة قوية ونقابي متمرس”.