عزا متتبعون مهتمون بالملف الجزائري المغربي، تحامل الرباط على الجزائر في الفترة الأخيرة، وتطور الأمور إلى استدعاء السفير المغربي بالجزائر، إلى تمكن قضية الصحراء الغربية من رصد الدعم الدولي بما يعزز طرح الجزائر، وكذا تأثير الإجراءات الأمنية الجزائرية على الحدود إلى واقع المعيشة بالمغرب، حيث سببت أزمة حادة سببها ارتفاع سعر الوقود، وإحالة عشرات المغربيين على البطالة بسبب تراجع عمليات التهريب، ما استدعى إطلاق الملك محمد السادس خطابا يشبه خطاب الشاذلي بن جديد في بداية أزمة العشرية السوداء، في خطابه أمام البرلمان نهاية أكتوبر المنقضي، ألب فيه كل الأطراف على ضرورة استباق الخصم ودفعه إلى الرد وعدم انتظار العكس.
وتكشف قراءة متأنية في الخطاب الأخير للملك المغربي محمد السادس، مدى تفاقم الأزمة التي تتخبط فيها المغرب حين أخلى الملك أعضاء الحكومة من مسؤولياتهم وألصقها في الجماعات المحلية في قوله: "إن الوزير ليس مسؤولا عن توفير الماء والكهرباء والنقل العمومي، أو عن نظافة الجماعة أو الحي أو المدينة، وجودة الطرق بها، بل إن المنتخبين الجماعيين هم المسؤولون عن هذه الخدمات العمومية، في نطاق دوائرهم الانتخابية، أمام السكان الذين صوتوا عليهم كما أنهم مكلفون بإطلاق وتنفيذ أوراش ومشاريع التنمية بمناطق نفوذهم لخلق فرص الشغل، وتوفير سبل الدخل القار للمواطنين".
وهي تنصل واضح للملك من مسؤولياته والحكومة التي تدور في فلكه، خوفا من أية تداعيات أو احتجاجات قد تفرزها الأزمة الاقتصادية الداخلية التي تخنق الاقتصاد المغربي، بما يجعل المواطن هو المسؤول بانتخابه أشخاصا غير مؤهلين لتأدية المهام المنوط بهم. وقدم ملك المغرب في الخطاب ذاته، أرقاما رهيبة عن "تقدم" أهم مدن المملكة، تقارب تلك التي سجلتها الجزائر سنوات السبعينات من قبيل نسبة تصفية المياه المستعملة، التي قال إنها تبقى ضعيفة جدا، إذ لا تتجاوز 45 من المائة بالدار البيضاء، هذه الأخيرة التي وصفها بمدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، "حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة".
وإن كانت قضية الصحراء الغربية ملجأ الملك في كل خطاباته لتبرير عجزه عن تسيير أمور المملكة من خلال إقحام الجزائر ولو بالإشارة في مشاكله الداخلية، غير أنه اعترف بأن التفاؤل لم يعد كافيا: "قضية الصحراء واجهت خلال هذه السنة، تحديات كبيرة تمكنا من رفعها، بفضل قوة موقفنا، وعدالة قضيتنا، غير أنه لا ينبغي الاكتفاء بكسب هذه المعركة، والإفراط في التفاؤل"، قبل أن يضيف بأن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة. وحض "الجميع، مرة أخرى، على التعبئة القوية واليقظة المستمرة". وتابع: "بدل انتظار هجومات الخصوم للرد عليها، يتعين إجبارهم على الدفاع، وذلك من خلال الأخذ بزمام الأمور، واستباق الأحداث والتفاعل الإيجابي معها".
وهو ما يفسر الحملة الشرسة التي أطلقتها الدوائر القريبة من المخزن ضد الجزائر استجابة لمطلب الملك.
إلى ذلك، تقول أطراف متتبعة بأن المخزن يرغب في الوصول إلى اتفاق مع السلطات الجزائرية على الأقل لاستعادة بعض المناصب المؤقتة لعمل مواطني الحدود الجزائرية المغربية التي كانت تسترزق من عمليات التهريب التي تنخر الاقتصاد الجزائري، وكذا عمليات تحويل السموم إلى الجزائر وجني أموال طائلة منها. وهي كلها مصادر تم تجفيفها بالإجراءات الأمنية والجمركية الصارمة المتخذة منذ تعرض ولايات الغرب الجزائري لأزمة وقود امتدت إلى الشرق.
ويضاف إلى ما تقدم حسب المصادر ذاتها، أن أصبحت الجزائر دولة محورية محاورة ومركزية في القضايا العربية بشكل عام، والجيش الجزائري أصبح الأقوى بعد التدعم بأسلحة متطورة من قبيل صفقة اقتناء طائرات "أس 400" و"سوخوي 33"، وكذا الطائرات بدون طيار، ما مكن الجيش الجزائري من بسط سيطرته ونفوذه على التراب الوطني من خلال القضاء على المشاكل الأمنية، وتوزيع القوة المركزية إلى الإقليم المحاذي للحدود، في وقت كانت المغرب تسعى إلى جر الجزائر إلى معارك حدودية تضعفها.
وبالمنطق الاستراتيجي أثرت قوة المركز على تقليل نسبة الأخطار الحدودية، زيادة على ذلك عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى الواجهة بتعيين مفوض الأمن والسلم بإفريقيا سابقا رمطان لعمامرة، وزيرا للشؤون الخارجية الجزائرية، حيث أصبحت الجزائر تملأ الفراغ العربي في ظل غياب مصر التي تعاني أزمة داخلية، والغياب المؤقت للسعودية، فضلا عن غياب سوريا هي الأخرى التي تعاني من أزمة داخلية.