أجهضت قوات الأمن بالبريد المركزي مسيرة البطالين التي نادت إليها التنسيقية الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، حيث اعتقلت العشرات من الشباب المشاركين فيها، على غرار المنسق الولائي طارق معمري، فيما شهدت مسيرة الغضب استجابة محتشمة بباقي ولايات الوطن، ما دفع المنسق الوطني الطاهر بلعباس إلى تحميل السلطة كافة المسؤولية، متهما إياها بالتضييق عليهم وترهيب الشباب.
عاشت أحياء العاصمة، أمس، حالة طوارئ نتيجة الطوق الأمني الكثيف المفروض بشوارعها، لاسيما منها الرئيسية، حيث كثفت مصالح الأمن من تواجدها بمختلف المناطق الحساسة لها على غرار البريد المركزي، لإحباط المسيرة التي عولت عليها التنسيقية الوطنية للدفاع عن البطالين لتكون أكبر مسيرة بغرض إسماع صوتهم إلى الحكومة، بعد إخلالها بكل الوعود التي أطلقتها طيلة سنتين.
"الشروق"، وخلال جولة استطلاعية إلى البريد المركزي لاحظت غيابا تاما للشباب البطالين أمام الطوق الأمني الكثيف المجند بهدف إجهاض المسيرة، خوفا من حدوث أي انزلاق. وقامت مصالح الأمن باعتقال العشرات من الشباب، إلى جانب المنسق الولائي للعاصمة، طارق معمري .
وبولاية الجلفة، خرج مجموعة من البطالين في وقفة احتجاجية بساحة محمد بوضياف في مدينة الجلفة، وسط حضور أمني مكثف. ورفع المحتجون شعارات تندد بسياسة إقصاء الشباب، فيما ندد البعض بحرمان الولاية من المشاريع التنموية الكبرى، وأكدوا، في بيان تحصلت عليه "الشروق"، أن وقفتهم الاحتجاجية سلمية وتعبر عن غضبهم من هذه الأوضاع.
وقاطع شباب ولايات البويرة، بجاية وتيزي وزو الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، حيث بدت الحركة عبر الشوارع جد عادية ولم يتم تسجيل أي تجمعات أو حركات احتجاجية، ولو أن البعض فسر ذلك بعدم وجود منسقين بهذه الولايات.
وعلى عكس التوقعات فإن "مسيرة الغضب" لم تشهد النجاح في شرق البلاد نتيجة التعزيزات الأمنية المشددة على غرار ولاية عنابة، حيث منعت مصالح الأمن الشباب البطالين من الاعتصام بقرب مقري الولاية والدائرة. أما بولاية أم البواقي فلم يستجب عشرات الشباب لدعوة تنسيقية الدفاع عن البطالين، وبرر نوفل شيكاوي، المنسق الولائي لـ"الشروق"، ذلك بقرار إلغائها من قبل اللجنة، خوفا من استغلالها السياسي وضرب استقرار البلد تحت غطاء احتجاج البطالين.
بينما احتج العشرات من الشباب أمام مقر بلدية الأبيض سيدي الشيخ، مطالبين المدير العام لسوناطراك بتوظيف شباب المنطقة بمحطة ضخ الغاز بالمنحر، منددين بالتهميش والإقصاء الذي يطال أبناء الولاية بدليل أن المؤسسة لا توظف سوى 12 عاملا فقط من مجموع 500 عامل. المحتجون طالبوا والي البيض بتجسيد وعوده التي أطلقها في أول زيارة له إلى عاصمة أولاد سيد الشيخ وتوفير مناصب شغل قارة بشركة التنقيب المتواجدة بمنطقة البنود.
أما بولاية الوادي، فإن المسيرة لم تلق استجابة واسعة للبطالين، حيث لم يتجاوز عدد المشاركين فيها، 30 شخصا فقط، وردد المشاركون شعارات تندد بما وصفوه بـ"الحقرة ومظاهر الفساد"، ومطالب بمحاسبة المسؤولين المتورطين في ملفات فضائح سونطراك، على حد تعبيرهم. وأكد رشيد عوين، المنسق العام للجنة المشرفة، أن الحضور جاء محتشما، مرجعا السبب إلى الطوق الأمني والتعتيم المقصود إثر قطع شبكة المواصلات، مضيفا أن فشل التجمع لن يثني أعضاء اللجنة عن مواصلة النضال إلى غاية تحقيق المطالب كاملة.
وعلى الرغم من تدفق العشرات من الشباب على ساحة بلدية ورڤلة التي أضحت تعرف بساحة "14 مارس" للمشاركة في "يوم الغضب" استجابة لدعوة اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، لكن الوقفة جاءت مخيبة للآمال كون عدد المشاركين لم يتجاوز 600 بطال، وسط التواجد الكثيف لمصالح الأمن التي حاصرت المكان، وعزا الطاهر بلعباس، المنسق الوطني في تصريح لـ "الشروق"، سبب فشل المسيرة إلى ما وصفه بـ"القمع والترهيب" اللذين مارستهما السلطة طيلة الأيام الماضية، كونها سعت لمنع الشباب من المشاركة في الوقفة الاحتجاجية من خلال الضغوطات اليومية وتلفيق الاتهامات. وفي كلمة ألقاها، اتهم بلعباس السلطة بالمناورة ومصادرة الحريات الجماعية والفردية وإدارة ظهرها لمطالب البطالين. واستنكر إخلال حكومة سلال بكل وعودها، وتوظيف جهاز العدالة لترهيبهم باستعمال مختلف الأساليب القمعية. وتعجب ممن وصفهم بـ"أطراف" تحاول تبني مطالبهم الاجتماعية والسعي لتسييسها.
كما استجاب عشرات البطالين بولاية غرداية لنداء اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، حيث نظموا وقفة احتجاجية سلمية قرب مقر بلدية غرداية، للتأكيد على مشروعية مطالبهم، المتعلقة أساسا بالتوظيف المباشر عوض وعود امتصاص الغضب.
وقال ممثل اللجنة، حمدان عبد السلام، لـ"الشروق": "إنه نظرا إلى تفشي البطالة واللامبالاة من المسؤولين لم يبق لنا شيء من الأمل نتمسك به إلا الخروج إلى الشارع والتعبير عن معاناتنا". وندد المحتجون بسياسة الوعود الكاذبة التي اعتمدتها الحكومة طيلة سنتين، مطالبين بفتح تحقيق حول ملف التشغيل، في ظل تواصل المحسوبية في التوظيف. واحتج أمس المئات من الشباب البطالين أمام مقر بلدية أدرار رافعين شعارات منددة لتغاضي السلطات بخصوص التكفل بأوضاعهم المزرية وتوفير مناصب شغل لهم، وأكد المحتجون على أن مطالبهم اجتماعية أمام سياسة "التهميش والحقرة".