■■ سبحان الله .. بين لحظة وضحاها ، عادت كرة القدم التونسية إلى الحياة ، وبعد سقوط مرير وفشل ذريع وهزيمة تاريخية في عقر دارها في المباراة الأخيرة صفر / 2 أمام منتخب جزر الرأس الأخضر( كاب فيردي) ، أصدرت لجنة الإنضباط بالفيفا مساء اليوم – الخميس 12 سبتمبر – قراراً تاريخيا بعودة الحياة إلى الكرة التونسية ، بإعتبار تونس فائزة بالمباراة 3/ صفر وبالتالي تتأهل إلى المرحلة النهائية من التصفيات الأفريقية وتخوض مباراتين فاصلتين مع منتخب افريقي آخر للتأهل لنهائيات مونديال البرازيل .!
■■ وقد سارعنا - وربما سبقنا الجميع - إلى نشر الخبر على موقع فور وروده من وكالة رويترز منسوبا لبيان من الفيفا ومنشوراً في نفس الوقت على موقع الاتحاد الدولي .. ولكن في نفس الوقت انتابتني خلطة من الأفكار المتضاربة ، كيف سيتغير الموقف في ثوان في تونس من أحزان ومآتم وانتقادات واستقالات ومنها استقالة صديقنا نبيل معلول مدرب تونس من المهمة وعودته إلى محطة التحليل التليفزيوني المؤجلة والمحجوزة في الجزيرة الرياضية ، ومطالبة النجم الكروي الوزير طارق دياب – المحلل السابق أيضا بالجزيرة – لإتحاد الكرة التونسي بالإستقالة بعد الفشل في التأهل، وماذا سيكون الوضع الآن بين الوزير والاتحاد بعد أن أصبح نسور قرطاج متأهلين ضمن التصنيف الأول في قرعة النهائي .
■■ وجاءت أفكار أخرى في ذهني عن ردود الفعل المتناقضة من عواصم عربية أخرى ، لا أقول شامتة ولكن مستريحة من مواجهة المنتخب التونسي في المرحلة الأخيرة ، رغم أن مواجهة منتخبين عربيين ستكفل للوطن العربي مقعد مؤكد في مونديال البرازيل مع فرصتين قائمتين للمنتخب العربي الثالث في افريقيا ومنتخب الاردن العربي الوحيد في آسيا والذي سيلعب في الملحق العالمي مع خامس امريكا الجنوبية .. ومع ذلك قد تلعب القرعة الافريقية لعبتها وتلعب المنتخبات العربية الثلاث في طرق مختلفة ويصبح لدينا فرص ثلاث مقاعد لعرب افريقيا مع فرصة الاردن ممثلة عرب آسيا .
■■ أما أكثر الأفكار سخرية وطرافة، فهي في تفاصيل عك الفيفا خلال إشرافه على التصفيات القارية ، فهو يترك المنتخبات تتورط في مشاكل إشراك لاعبين مشكوك في أهليتهم لتمثيل منتخبهم سواء لأخطاء في التجنيس او وجود عقوبات لم تصل رسميا لإتحاداتهم ، حتى يقعوا في الكارثة ، ويفاجئهم الفيفا بعد ذلك ، بقاعدة سمك لبن تمر هندي أي سأقلب فوزك إلى هزيمة وتأهلك إلى طرد وحرمان من التأهل !
■■ ويا لغرابة موقف تونس والرأس الأخضر والفيفا .. فقد كانت تونس قبل يوم 19 يوليو الماضي وقبل مباراتها الأخيرة في المجموعة الثانية من التصفيات الافريقية متأهلة رسمياً للدور النهائي من التصفيات برصيد 11 نقطة وبلا أي منافسة او مطاردة من فرق مجموعتها المكونة من سيراليون وغينيا الاستوائية والرأس الأخضر ، وكانت الأخيرة في ذلك الوقت رصيدها متوقف عند 6 نقاط ونالت خمس مباريات 3 هزائم من تونس في عقر دارها ومن سيراليون ومن غينيا الاستوائية ( 3- 4 ) يوم 24 مارس الماضي ، ثم انتعش أملها في تحسين صورتها قليلا بعدما فازت بملعبها وبشكل هزيل جداً على سيراليون 1/ صفر وعلى غينيا الاستوائية 2/1.
■■ وسبحان مغير الأحوال فجأة إستيقظ جهابذة الفيفا، وإجتمعت لجنة الإنضباط بالاتحاد الدولي يوم 19 يوليو بعد أربعة شهور تقريبا من مباراة غينيا الاستوائية والرأس الأخضر التي فازت بها غينيا وقررت اللجنة بناء على تقارير وصلتها أن غينيا الاستوائية أشركت لاعباً لا يحق له المشاركة لعدم جواز تجنيسه وإسمه ايميلو نسيو لوبيز ، وكان هذا اللاعب قد شارك في مباراتي الرأس الأخضر، وقلبت لجنة الفيفا نتيجة المباراتين إلى فوز للرأس الأخضر 3/صفر و3/ صفر ، لينقلب تأهل تونس الاتوماتيكي إلى ترقب لمباراة شبه فاصلة منذ 5 أيام بالعاصمة التونسية وكان للمنتخب التونسي 11 نقطة مقابل 9 نقاط للرأس الأخضر ورغم أن التعادل بأي نتيجة كان كافياً لتأهل تونس ، فإن أعصاب اللاعبين لم تتحمل ضغوط المباراة وخسروا صفر / 2 ، لتتأهل الرأس الأخضر وتدخل الكرة التونسية مرحلة موت اكلنيكي في انتظار إستقالة أو إقالة اتحاد اللعبة والمدرب والقضاء على مستقبل جيل من اللاعبين بحثاً عن فرصة جديدة بعد أربع سنوات في مونديال روسيا !
■■ ولكن سبحان المحي المميت ، تتغير الأحوال مرة أخرى ، وتتجسد نظرية السمك لبن تمر هندي في الفيفا .. وتفاجيء لجنة الإنضباط بالفيفا العالم مرة أخرى مساء اليوم ببيان إعلامي نشره موقع الفيفا وتم توزيعه على وكالات الأنباء ، بأن اللجنة التي وصلتها معلومات عن إشراك لاعب موقوف ضمن منتخب الرأس الأخضر ، أجرت إجتماعات هاتفية بين أعضائها وقرروا ، إقصاء الرأس الأخضر وإعتبارها مهزومة في مباراة تونس صفر/ 3 , وبالتالي تتأهل تونس وتعود للحياة الكروية من جديد .
■■ أغرب ما في الأمر الذي اكتشفته بمراجعتي السريعة لمواقف السمك لبن تمر هندي للفيفا ، أن اللاعب الذي انقلبت النتيجة بسببه والذي أقصى الرأس الأخضر من التصفيات وإسمه فرناندو فاريلا ، كان قد تعرض للطرد في مباراة 24 مارس الشهيرة التي فازت فيها غينيا الإستوائية 4/3 على الرأس الأخضر ثم قلبها الفيفا إلى 3/ صفر للرأس الأخضر ، وهذا اللاعب تعرض للطرد بسبب سلوكه غير الرياضي مع حكم المباراة ، وقد تمت معاقبته بالحرمان أربع مباريات ، ولكن مسؤولي المنتخب الأخضر إكتفوا بغيابه مباراتين فقط، ثم أشركوه أمام تونس لكي تكون القشة التي تقصم ظهر بعير الرأس الأخضر ، لكي تكون المباراة التي أعادت الأمل والحياة لكرة الرأس الأخضر بقلب هزيمتها امام غينيا إلى فوز ، هي نفسها المباراة التي أعادتها مرة أخرى لثلاجة الموتى في مشرحة الفيفا !
■■ مع تهنئتي القلبية الصادقة لتونس وترحيبي الكبير بعودتها للمرحلة النهائية للتصفيات ، أود أن أسأل سؤالاً برئياً لمنظمة الفيفا الإسطورية التي تفخر بأن عدد أعضائها من الدول أكبر من أعضاء الأمم المتحدة وأن رأس مالها بالمليارات وأنها تعتمد على منظومة قوانيين ولوائح وبنيىة تكنولوجية رهيبة ، كيف يترك نظامكم هذه الاتحادات الكروية المسكينة ترتكب مثل هذه الأخطاء الساذجة ، بإشراك لاعب موقوف أو مجنس بشكل غير قانوني أو غير مؤهل للمشاركة، ثم تقلبون بعد ذلك نتائج المباريات على أساس من قاعدة " القانون لا يحمي المغفلين " .. وهل يكون تكاسلكم عن تحديد أهلية لاعبي المنتخبات للمشاركة في المباريات قبل إقامتها هو جريمة السمك لبن تمر هندي التي تحترفون إدمانها وتوجيه صدماتها إلى دول وشعوب واتحادات ومنتخبات بهذا الشكل المرير وكأنكم تتلاعبون بهم رغم أنكم المسؤول الأول عن هذه الجرائم الكروية غير الأخلاقية .