علو منزلته ورفعة مكانته وذكره قال القاضي عياض في كتاب الشفا : قال تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قال يحيى بن آدم : بالنبوة (أي رفع اللهُ للنبي ذكرَه بالنبوة) . وقيل : إذا ذكرت ذكرت معي قول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وقيل : في الأذان [ 8 ] . قال القاضي أبو الفضل : هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه ، وشريف منزلته عنده ، وكرامته عليه ، بأن شرح قلبه للإيمان والهداية ، ووسعه لوعى العلم ، وحمل الحكمة ، ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه ، وبغضه لسيرها ، وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله ، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم ، وتنويهه بعظيم مكانه ، وجليل رتبته ، ورفعه و ذكره ، وقرانه مع اسمِه اسمَه . قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام ،فقال : إن ربي و ربك يقول : تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : إذا ذكرتُ ذكرتَ معي . قال ابن عطاء : جعلت تمام الإيمان بذكري معك . وقال أيضاً : جعلتك ذكراً من ذكرى ، فمن ذكرك ذكرني . وقال جعفر بن محمد الصادق : لا يذكرك أحد بالرسالة إلا ذكرني بالربوبية . وأشار بعضهم في ذلك إلى الشفاعة . ومن ذكره معه تعالى أن قرن طاعته بطاعته واسمه باسمه ، فقال تعالى : أطيعوا الله والرسول . وآمنوا بالله ورسوله ، فجمع بينهما بواو العطف المشركة . ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه عليه السلام .
قال الله تعالى : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ سورة الحجر / 15 : الآية 72] . اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه و سلم ، و أصله ضم العين ، من العمر ، و لكنها فتحت لكثرة الاستعمال . و معناه : و بقائك يا محمد و قيل : و عيشك . و قيل : و حياتك . و هذه نهاية التعظيم ، و غاية البر و التشريف . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما خلق الله تعالى ، و ما ذرأ ، و ما برأ نفساً ـ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه و سلم ، و ما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره .
وقال أبو الجوزاء : ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه أكرم البرية عنده .
وقال جعفر بن محمد : من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه ، وأقسم بحياته ، ونسخ به شرائع غيره ، وعرج به إلى المحل الأعلى ، وحفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر وما طغى ، وبعثه إلى الأحمر والأسود ، وأحل له ولأمته الغنائم ،وجعله شفيعاً مشفعاً،وسيد ولد آدم ، وقرن ذكره بذكره ، ورضاه برضاه ،وجعله أحد ركني التوحيد.
تكريم الله له جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : إني اتخذتك خليلاً ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن .
والخليل قال : ولا تخزني يوم يبعثون [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 87] .
والحبيب قيل له : يوم لا يخزي الله النبي ، فابتدئ بالبشارة قبل السؤال .
والخليل قال في المحنة : حسبي الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 38 ] .
والحبيب قيل له : يا أيها النبي حسبك الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 64 ] .
والخليل قال : اجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : ]
والحبيب قيل له : ورفعنا لك ذكرك ، أعطي بلا سؤال .
والخليل قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . سورة إبراهيم / 14 ، الآية : 35 .
والحبيب قيل له : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً
ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم ( ألم نشرح لك صدرك ) ( ونيسرك لليسرى ) ( فإنما يسرناه بلسانك ) ( لعلك ترضى ) .
ويقول على لسان موسى عليه السلام ( اشرح لي صدري ) ( يسّر لي أمري ) ( احلل عقدة من لساني ) ( وعجلت إليك ربي لترضى ) .
عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا وله خليل ألا وإن خليلي أبو بكر).
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله قسم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسماً ، فذلك قوله : أصحاب اليمين ، و أصحاب الشمال ، فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثاً ، فجعلني في خيرها ثلثاً ، و ذلك قوله تعالى : فأصحاب الميمنة . و أصحاب المشأمة ، و السابقون السابقون ، فأن من السابقون ، و أنا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، و ذلك قوله : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر . ثم جعل القبائل بيوتاً ، فجعلني من خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 33 ] .
ومن رواية ابن وهب ـ أنه عليه السلام قال : قال الله تعالى : سل يا محمد . فقلت : ما أسأل يا رب ؟ اتخذتَ إبراهيم خليلاً ، وكلمتَ موسى تكليماً ، واصطفيتَ نوحاً ، وأعطيتَ سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فقال الله تعالى : ما أعطيتك خير من ذلك ، أعطيتك الكوثر ، وجعلت اسمك مع اسمي ، ينادى به في جوف السماء ، وجعلت الأرض طهوراً لك ، ولأمتك ، وغفرت لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فأنت تمشي في الناس مغفوراً لك شفاعتك ، ولم أصنع ذلك لأحد قبلك ، وجعلت قلوب أمتك مصاحفها ، وخبأت لك شفاعتك ، ولم أخبأها لنبي غيرك .
وحكى أبو محمد مكي ، و أبو الليث السمرقندي و غيرهما ـ أن آدم عند معصيته قال : اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي . و يروى : تقبل توبتي . فقال له الله : (من أين عرفت محمداً ) ؟ فقال : رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أو: محمد عبدي و رسولي ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك . فتاب الله عليه ، و غفر له . و هذا عند تأويل قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه . و في رواية الأجري قال : فقال آدم ، لما خلقتني ر فعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدراً عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : و عزتي و جلالي ، إنه لآخر النبين من ذريتك و لولاه ما خلقتك .
عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجباً ! إن الله اتخذ من خلقه خليلاً ، اتخذ إبراهيم خليلاً . وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الله تكليماً . وقال آخر : فعيسى كلمه الله وروحه وقال آخر : وآدم اصطفاه الله .
فخرج عليهم فسلم ، وقال : قد سمعت كلامكم و عجبكم ، أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً ، و هو كذلك ، و موسى نجي الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله ، وهو كذلك ، وعيسى روح الله ، وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله ، وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأما من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر .
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتخذ الله إبراهيم خليلاً وموسى نجياً واتخذني حبيباً ثم قال: وعزتي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي) فبمقارنة بسيطة يتضح رفعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فوق كلّ الأنبياء والمرسلين ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) كيف لا وقد كان إمامهم في الإسراء في المسجد الأقصى وهو دعوة أبينا إبراهيم والذي بشر به موسى وعيسى عليهما السلام ، وما كانت شرائعهم إلا تمهيدا لخاتمة الرسالات ولنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهو القائل لو كان معي موسى لما وسعه إلا أن يتبعني ، وعندما يهبط عيسى عليه السلام فإنه سيكون من أتباع سيدنا محمد وسيصلي خلف الإمام دلالة على ذلك .
ولو وزنت به عرب وعجم --- جُعلت فداه ما بلغوه وزنا
إذا ذكر الخليل فذا حبيب --- عليه الله في القرآن أثنى
وإن ذكروا نجي الطور فاذكر --- نجي العرش مفتقراً لتغنى
فإنّ الله كلم ذاك وحيا --- وكلّم ذا مخاطبةً وأثنى
ولو قابلت لفظة "لن تراني" --- لـ "ما كذب الفؤاد " فهمت معنى
فموسى خرّ مغشياً عليه --- وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمان بملكٍ --- فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها --- يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داوود لبوساً --- يقيه من اتقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما --- تلا "والله يعصمك "اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوحٌ --- بدعوة "لا تذر" أحداً فأفنى
ودعوة أحمد (رب اهد قومي) --- فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول "نفسي" --- وأحمد " أمّتي "إنساً وجنّا
وكلّ الأنبياء بُدُورُ هَدْيٍ --- وأنت الشمس أكملهم وأهدى
صور من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلّم قبل أن نخوض في بعض مناحي عظمة الرسول لا بد أن نقول : إنّ مما يدل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم : هو كثرة أسمائه وصفاته ، قال بعضهم : أعطاه اسمين من أسمائه : رؤوف ، رحيم .
قال الحسين بن الفضل : لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال عن نفسه (إنّ الله بالناس لرؤوف رحيم )الحج 65 وقال عن النبي صلى الله عليه وسم ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة 128 .
وعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ .
عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : لَقِيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ ، وَأَنَا الْمُقَفَّى ، وَأَنَا الْحَاشِرُ ، وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ .
عندما كان محمد صلى الله عليه وسلم في محاولته لكسب رؤساء قبيلة ( قريش ) وفي أثناء حديثه معهم حاول عبد الله بن أم مكتوم وهو (بصير ) أن يسأل عن شيء مهم من أمور الإسلام فانصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم فعاتب القرآن النبي محمد في سورة ( عبس ) لانصرافه عنه وصرف وجهه إلى صنديد الكفر رغبة منه في دخوله في الإسلام فاعتبر القرآن ذلك أنه لا حاجة له في تمني دخولهم الإسلام ولكن المسلمين الذين جاءوا إليك أولى بهذا الاهتمام ، وما يدريك يا محمد أن هذا الكافر سوف يزكى ويدخل في الإسلام إنه في علم الغيب والأمر موكل إلى الله . ولقد حدثت واقعة أخرى قريبة من تلك عندما اتفق مبدئياً كفار قريش وصناديدها مع الرسول على أن يجعل لهم يوماً يجلسون معه فيه ويجعل للفقراء والعبيد يوم خاص بهم وكان هذا شرط لإيمانهم وقد كاد يميل قلب الرسول لهذا الاقتراح فعاتبه ربه على ذلك وطلب منه أن يترك هذا الاقتراح فالمسلمون سواسية كأسنان المشط وقال تعالى في هذا العتاب ( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) . وفي هاتين الحالتين لم يكتم النبي ما نزل إليه من الوحي وهذا دليل واضح على عظمته .
وصورة أخرى من عظمته : عندما سألته زوجته عائشة أم المؤمنين عن خديجة ألم يعوضك الله خيراً منها ؟ فأجابها : لا، فهي التي آمنت به وصدقته عندما كذبه الناس وعادوه ! فلم يستسلم للغيرة ولم يحاول أن يخدعها أو يجاملها . وهذا عظمته من صلى الله عليه وسلم .
وعندما خُيّرَ رسول الله في أن يكون نبينا ملكاً أو عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً لما في مقام العبودية من الشرف والتكريم فقال تعالى وهو ينسبه إلى نفسه : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " يدل ذلك على رفضه اختيار الملك من قبل الله تعالى .
عرض عليه كفار قريش مرة المُلكَ والجاه والسلطان والمال والثروة والرياسة عليهم بل على العرب جميعاً في مقابل ترك الدعوة الإسلامية والرجوع إلى آلهتهم الضالة فقالوا قولتهم المشهورة : إن كنت تريد مالاً جمعنا لك المال وجعلناك أغنى رجلا فينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وجعلنا لك الأمر وإن كان بك مس من الجن أو مرض لا يشفى عالجناك حتى تشفى من هذا المرض .فرفض كل ذلك ورفض كل تلك الإغراءات الكذابة التي لا تغري إلا ضعاف القلوب وأصحاب العقول الفاسدة الذين يركنون إلى الدنيا وملذاتها وينسون الآخرة وما فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته الشهيرة التي يذكرها التاريخ له بكل ما فيها من نور وضياء وهدى ورحمة قال لعمه أبو طالب يا عم والله لو جعلوا القمر عن يميني والشمس عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه . إنها قولة تقشعر لها الجلود وتخشع لها القلوب قولة رجل واثق من نصر ربه واثق ومؤمن بما يبلغ عن ربه من أن الله سينصر هذا الدين ويعلي رايته ولو كره الكافرون .
فكان هذا النبي العظيم جديراً لأن يحظى بكل حب وبكل تقدير وبكل احترام وبكل تبجيل من جميع من اتبعوه وآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به وممن لم يؤمنوا به .
ومن صور عظمته ما روى ابن ماجه في سننه عن قيس بن أبي حازم : أن رجلاً أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه فأخذته رعدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هوّن عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)
نعم فهذا التواضع هو من عظمة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
ومن ينسى الموقف العظيم عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا فقال لأهلها بعد أن آذوه وعذبوه : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم . فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء .
إن هذا الرجل نجح في حياته واستمر نجاحه بعد موته على يد أتباعه ، فقد صنع الأبطال إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي خرجت الأبطال والدعاة الذين جابوا الأرض شرقاً وغرباً لنشر دين الله ونوره وتبليغه إلى الناس . إن أعظم موقف يدل على عظمة الرجال الذين صنعهم في حياته هو موقفهم عند موته ، عندما قام أبو بكر غير متأثر بهذا الخبر فدخل على رسول الله بعد ما سمع بوفاته وخرج على المسلمين وقال " أيها الناس ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " . وقرأ قوله تعالى " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .
ولذلك ليس غريب أن يضعه مايكل هارت في كتابه العظماء مائة في مقدمتهم فقال مايكل عن سبب اختياره لمحمد وكونه الأعظم فقال : ( إن اختياري لمحمد ليقود قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيراً في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض .. ولكنه كان ( أي محمد) الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحاً بارزاً في كل من المستوى الديني والدنيوي ) .
وقال عنه أحد المفكرين الغربيين أنه لو أعطى لمحمد زمام الأمور في هذا العالم المليء بالملابسات والمشكلات لقاد البشرية إلى بر الأمان .
" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " ( الأحزاب : 21 )
ويمكننا الآن أن نستنتج لماذا قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " " الشرح : 44 " .
وأقوال المستشرقين في الاعتراف بعظمته كثيرة منها : من كتاب عظمة محمد لأحمد ديدات 1- " كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الرأفة والطيبة بعينيها والذين من حوله كانوا يشعرون بتأثيره ولم ينسوه أبداً " . ديوان شاندشارمة . باحث هندوسي ، وذلك في كتابه رسل الشرق سنة 1935 ص 122 .
2- " ولد في مكة في جزيرة العرب سنة 569 بعد الميلاد – وبعد أربع سنوات من وفاة يوستنيانوس الأول – الرجل الذي كان له أعظم تأثير على الجنس البشري من بين جميع الرجال ، محمد صلى الله عليه وسلم " . جون وليم درايو طبيب ودكتور في الحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الأوربي " . لندن 1875 .
3- " إنني أشك أن أي إنسان لا يتغير رغم التغيرات الكبيرة في ظروفه الخارجية ، كما لم يتغير محمد ، لكي يلائم ويوافق هذه التغيرات " .ر . ف . ك بودلي في " جريدة الرسول " لندن سنة 1946 ص 6 .
4- " لقد درست الرجل الرائع وفي رأيي أنه يجب أن يدعى منقذ البشرية فهو بعيد كل البعد من أن يدعى ضد المسيح " . جورج برنارد شو في ( الإسلام الصادق ) ج1 سنة 1936 .
5- " من حسن الحظ إنه لأمر فريد على الإطلاق في التاريخ إن محمد مؤسس لثلاثة أشياء : الأمة والإمبراطورية والدين " . ر . بوزوورث – سميث في كتاب محمد والمحمدية سنة 1946 .
6- " لقد كان محمد الأكثر توفيقاً من بين جميع الشخصيات الدينية " .دائرة المعارف البريطانية .
إذا كانت عظمة الغاية ، وقلة الوسائل ، والنتائج المذهلة هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
حكيم – خطيب – رسول – مشرع – محارب – هازم الأفكار الباطلة – ومُحيي المعتقدات العقلانية وعبادة بلا أصنام ولا صور – مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية ذلك هو محمد . وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟ بالتأكيد .... لا .
إنه " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ، الذي استطاع بنصر الله له وبصدق عزيمته وبإخلاصه في دعوته أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون .
إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو إلى الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا العبقرية وخصائصها .
إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الرسول الأعظم .
فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟ " . كلا ، لا يوجد رجل أعظم منه فقد عاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء وجاء بالدين الخاتم والمسعد لجميع البشر .
إن هذا الرجل العظيم هو محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه بحق رجل لم تنجب البشرية مثله .
النهاية.