بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعض الناس يلتزم بدينه ويؤدي العبادات بشرط أن يعيش حياة متميزة، صافية هادئة، فلا مرض ولا ضرر، ولا اختبار ولا ابتلاء، ولا معاناة ولا مشكلة من أي نوع.
فإن أصابه بلاء انزعج وطار عقله باحثًا عما يمكن أن يفرغ فيه طاقته المكبوته من أمور الدنيا، ويبحث جاهدًا عن زيادة المتاع ويزداد تعلقه بزخرف الحياة ناسيًا التعلق بالله ربه.
وقد ذكر الله مثاله ووصف وصفه بدقة القرآن الكريم في آيات تدعو للتدبر، يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَب عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاَخِرَةَ ذَلِك هُوَ الخُْسرَانُ الْمُبِينُ . يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِك هُوَ الضلَلُ الْبَعِيدُ . يَدْعُوا لَمَن ضرُّهُ أَقْرَب مِن نَّفْعِهِ لَبِئْس الْمَوْلى وَ لَبِئْس الْعَشِيرُ . إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصلِحَتِ جَنَّتٍ تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنْهَرُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . مَن كانَ يَظنُّ أَن لَّن يَنصرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلى السمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطعْ فَلْيَنظرْ هَلْ يُذْهِبنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظ} [الحج:11-15].
لقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أن الحياة لا تصفو من كدر، كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات والاختبارات، وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب.
وليس هناك أرقى ولا أعظم مقامًا من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وليس هناك أكرم على الله منه، ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الإبتلاء والإيذاء.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (البخاري:5645).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة»(أخرجه الترمذي وصححه الألباني:2396).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» (أخرجه الترمذي وصححه الألباني في [صحيح الترغيب:34144]).
فالله سبحانه يبتلي أهل الإيمان، ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب، وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب. غير أنه سبحانه يمتن على عباده المؤمنين فيثبتهم في المواقف، ويصبرهم في المصائب، ويرضيهم بقضائه، ويهون عليهم الآلام، وينصرهم على عدوهم، ويقويهم أمام العقبات.
فلنرِ الله منا خيرًا، ولنصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه، ونعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها، فنرضى بكل ما أصابنا ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل في كل حال.
قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} [العنكبوت:2، 3].
خالد روشة