{{اللباس والثياب في القرآن}}
{ للأمانة..الكاتب.باسم سعيد البسومي}
ثياب:
لباس الثياب، قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النور58] وقال - تعالى -: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور60].
جاء في مختار الصحاح في مادة "[ثوب] ث و ب: قال سيبويه يقال لصاحب الثِّيابِ ثَوَّابٌ و ثابَ رجع وبابه قال وثَوَبَاناً أيضا بفتح الواو وثابَ الناس اجتمعوا وجاءوا وكذلك الماء ومَثَابُ الحوض وسطه الذي يثوب إليه الماء وأثَابَ الرجل رجع إليه جسمه وصلح بدنه، والمَثَابَةُ الموضع الذي يثاب إليه مرة بعد أخرى ومنه سمي المنزل مَثَابَةً...".
وجاء في مقاييس اللغة لابن فارس "الثاء والواو والباء قياس صحيح من أصل واحد، وهو العود والرجوع... ".
ويقول أبو حيان في تفسير الآية الأولى: " من قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة وقد ينكشف النائم، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة؛ لأنه وقت وضع الثياب للقائلة لأن النهار إذ ذاك يشتد حره في ذلك الوقت.
ومن في من الظهيرة قال أبو البقاء: لبيان الجنس أي حين ذلك هو الظهيرة، قال: أو بمعنى من أجل حر الظهيرة وحين معطوف على موضع من قبل ومن بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم ثلاث عورات لكم.
أما حول الآية الثانية فيقول أبو حيان في تفسير الآية: "استثنى القواعد من النساء اللاتي كبرن وقعدن عن الميل إليهن والافتتان بهن.. والقواعد وهو جمع قاعد من صفات الإناث.... وثيابهن الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار والملاء الذي فوق الثياب أو الخمر أو الرداء والخمار أقوال، ويقال للمرأة إذا كبرت امرأة واضع أي وضعت خمارها " لا يخرج مدلولات الآيات السابقة، وما قيل في تفسيرها عن جواز وضع الثياب عند أمن الفتنة، وبالتالي لا تكون الثياب إلا ظاهرة وتستر مفاتن المرأة، ومن المؤكد أن لفظ الثياب استخدم استخداما مجازيا حيث أُطلق الكل وأُريد الجزء، إذ لا يعقل وضع كل الثياب .
بعد هذا الذي ذكر يمكننا القول:
1. أن الثياب سميت ثيابا لأنه يثاب إليها في اليوم والليلة ثلاث مرات.
2. أن استخدام الفعل "وضع" في قوله - تعالى -: "تضعون ثيابكم "، وقوله - تعالى -: "يضعن ثيابهن "ما هو إلا دليلا على سهولة الارتداء والطرح.
3. أن الثياب تكون ظاهرة للعيان، ومما يعزز هذا الفهم، قوله - تعالى - في سورة الإنسان: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ الإنسان21.
4. أن الثياب تستر المفاتن من الجسم، بدليل وضعها عن القواعد عند أمن الفتنه.
لباس: قال - تعالى –: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ الأعراف 26، 27 .
جاء في مقاييس اللغة لابن فارس " (لبس) اللام والباء والسين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على مخالَطَة ومداخَلة.
من ذلك لَبسْتُ الثَّوبَ ألْبَسُه، وهو الأصل، ومنه تتفرَّع الفروع. واللَّبْس: اختلاط الأمر.. ".
إن نظرة فاحصة لقوله تعالى: " لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ "، وقوله - تعالى –: " يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا " تكشف لنا عن غاية اللباس واختصاص دلالته، فالآيات صريحة في أن نزع اللباس يؤدي إلى إظهار السوءة، بينما وضع الثياب يكشف عن فتنة لا عن سوءة. فاللباس هو من اللبس والمخالطة وهو أقرب ملبوس للجسم، وهو بذلك أقرب إلى مخالطة الجسم، ولهذا يكون مستورا بالثياب الخارجية، ومن شأنه أن يغطي العورات والسوءات، ونزعه يؤدي إلى كشفها. كما أن استخدام القران للفعل (نزع)يدل على صعوبة ومشقة في خلع اللباس، فليس من السهل على الإنسان أن يتخلى عن ستر عورته وسوءته، في حين كان من السهل عليه وضع ثيابه في أوقات مختلفة من اليوم والليلة، ومما يعزز هذا الفهم قوله - تعالى - في سورة الحج: "ولباسهم فيها حرير" فأهل الجنة يتنعمون بالحرير الذي حُرّم على الرجال التنعم به في الدنيا، ولا شك أن الملابس الحريرية الناعمة هي أحرى أن تكون ملامسة للجسم، مما يعطي راحة وتنعما للإنسان خاصة إذا كان هذا الحرير هو حرير الجنة الذي بلا شك لا يقارن مع حرير الدنيا.
بعد هذا الذي ذكر يمكننا القول:
1. اللباس يستر السوءات والعورات.
2. اللباس هو أقرب ملبوس للجسم وألصقه به، وبلغة أهل هذا العصر، فإن اللباس هو (اللباس الداخلي).
لطيفة قرآنية: لقد عبّر القرآن الكريم عن العلاقة الحميمة بين الرجل وزوجه بقوله - تعالى -: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ " البقرة187. للدلالة على شدة العلاقة والقرب بين الزوجين، فهما لبعض كاللباس يستر كل منهما عورات الآخر ويحفظها، وما أقرب قول الراغب حين قال: "وجعل اللباس لكل ما يغطي الإنسان من قبيح، فجعل الزوج لزوجه لباسا من حيث أنه يمنعها ويصدها عن تعاطي قبيح".
19/6/2008م