أهمية تقييم الأثر البيئي للمشاريع
تهدف عملية تقييم الأثر البيئي لمشروع ما إلى تعيين الآثار الناجمة عن إقامة
هذا المشروع على البيئة، ومن ثم تحديد الإجراءَات الضرورية للحد من الآثار
البيئية السلبية الناجمة بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتتطلب دراسة تقييم الأثر البيئي بحثاً شاملاً للمشاريع الكبيرة المتمثلة في
إقامة السدود ومكبات النفايات ومحطات التنقية والمصانع والطرق الرئيسة
والمشروعات الإسكانية الكبيرة ومحطات توليد الكهرباء ومصافي النفط
والمشاغل الصناعية الضخمة، كالمحاجر والمناشير والمقالع وأماكن التعدين
وغيرها من المشروعات الضخمة.
ويمكن دراسة تقييم الأثر البيئي بصورة أبسط على المشاريع الأصغر حجماً، كما في
حال الطرق الفرعية والجدران الاستنادية والعبارات وقنوات المياه الضيقة
ومشاريع الإسكان الصغيرة وتجمعات الأبنية الواقعة في مناطق حساسة ونحو ذلك.
ونأمل أن يطال تقييم الأثر البيئي الأبنية الخاصة، من حيث مستوى كفاءَة العزل
الحراري واستخدامات مصادر الطاقة المتجددة والحصاد المائي وإعادة تدوير
المياه وما إلى ذلك. وأن نتجاوز ذلك إلى إصدار شهادة بيئية للأبنية تضع
مستوى التقييم البيئي على سند التسجيل لرفع قيمة البناء إذا كان بناء أخضر.
وتقوم دراسة الأثر البيئي على تحديد عناصر البيئة والتنبؤ بحجم الأضرار الناجمة
عن المشروع ومحاولة اجتنابها أو التقليل من ضررها والتلطيف من آثارها
السلبية. وقد يستدعي ذلك إشراك خبراء جيولوجيين وآثار وعلماء بيولوجيا
وكيمياء وزراعة وتربة واقتصاد واجتماع وبيئة ومياه وإدارة وخبراء غابات
وتصحر وتلوث هواء وما إلى ذلك من تخصصات تتناسب مع حجم المشكلة وطبيعتها.
وهذا يستدعي اللجوء إلى زيارات ميدانية لتوثيق أحوال الموقع وما يحيط به خلال
فصول السنة المختلفة من عناصر حية ومجاري للمياه وأشجار وأعشاب، وتصويره
ورصد التنوع الحيوي في المنطقة وطبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية
لسكان المنطقة، ومن ثم محاولة التنبؤ بالتغيرات التي سيحدثها المشروع في
بيئة المنطقة والسعي للتخفيف والتلطيف من وقع المشروع عليها.
وتقييم الأثر البيئي لا يقتصر على دراسة أثر المشروع في صيغته النهائية، بل يدرس
الأضرار الناجمة عن المعدات الإنشائية والبنية التحتية التي يستلزمها
المشروع منذ الانطلاقة الأولى للعمل، أي منذ تجريف الموقع أو تسويته وبناء
غرف مؤقتة للعمال والعاملين في الموقع وتحضير مناطق عمل مؤقتة للوصول إلى
المشروع، فضلاً عن دراسة أثر الآليات المستخدمة والأغبرة الناجمة عنها
والنفايات التي تلقيها، كقطع الغيار والزيوت والمواد الكيميائية والمواد
النفطية وغيرها.
ويدرس الأثر البيئي كذلك الضجيج الذي تحدثه الآليات والمعدات ومدى تأثير ذلك كله
على البيئة من حولها وعلى التجمعات السكنية أو السكان في تلك المنطقة مع
الأخذ بعين الاعتبار مقدار الضرر الناجم عن تعرية التربة والانجرافات التي
قد تصاحبها في فصل الشتاء والأضرار التي تجلبها على الثروة الحيوانية في
المنطقة أو على الآثار السياحية ومناطق المياه العلاجية والغابات
المتواجدة في المنطقة أو بالقرب منها.
وتستخدم في تلطيف الأضرار البيئية إجراءَات متعددة تناسب الأثر البيئي ومدى
خطورته، فيمكن حماية الأشجار المتواجدة بالقرب من الموقع بسياج، ويمكن
ترطيب المناطق المجروفة أو رصفها، ويمكن التوصية بعمل مستودعات مغلقة
للفضلات على أنواعها، ويمكن إعادة تصريف مياه الأمطار والعبارات وتحويل
مسارها مؤقتاً وعمل حواجز قشية أو سلاسل حجرية لتخفيف سرعة المياه ومنع
الانجراف.
كما يمكن تنظيم حركة الآليات بحيث لا تساهم في اعاقة المرور في المنطقة أو في
زيادة المخاطر على السكان بفعل الاليات ومعدات المشروع الانشائية،
كالرافعات الضخمة، كما يمكن تحديد ساعات العمل في الموقع ورفع عامل الأمان
حماية للعمال والزوار والمارة وما إلى ذلك، وبخاصة حماية الموقع من مياه
الفيضانات في الشوارع خلال فصل الشتاء.
ولا شك في أن هذا العمل المتمثل في تقييم الأثر البيئي، وبالرغم من أنه يخضع
إلى معايير وضوابط، الا أنه عمل إبداعي يستدعي ابتكار أفكار جديدة خلاقة
باستمرار من شأنها أن تساهم في تقليص حجم الأضرار البيئية الناجمة عن
المشاريع إلى الحد الأدنى الممكن. فلا يعقل أن تظل دراسة تقييم الأثر
البيئي تقليدية ومكررة كما هي حال أغلب الدراسات اليوم.