الأذان بالحج
توضيح قول الله تعالى وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(آية 27 من سورة الحج)
والأذان بالحج هو إعلام الناس بدخول وقته، وإخبارهم بأن الله قد افترضه عليهم، وتبيان أحكامه وأدابه لهم.
وقد شرع الأذان فى عبادتين؛ الصلاة والحج، لأن الصلاة بها الوصول إلى مرضاة الله عزَّ وجلَّ، والحج هو الوصول إلى بيت الله المقدس، والمثول بين يدى الله سبحانه وتعالى أمام الكعبة المشرفة، وأداء بقية المناسك.
ولما أمر الله سيدنا إبراهيم عليه السلام بالأذان فى الناس بالحج، قال عليه السلام: (يارب وماذا يَبلُغ صوتى؟)، فقال الله له: (عليك بالآذان وعلينا البلاغ).
فأخذ سيدنا إبراهيم ينادى: يأيها الناس هلموا إلى حج بيت الله الحرام، فبلغ هذا النداء للأرواح إلى يوم القيامة، فلبَّت كل روح سمعت النداء، وكذلك نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نادى به أبوه إبراهيم عليه السلام فقال:{يأيها الناس إن الله فرض عليكم حج هذا البيت فحجوا}فاستجاب لندائه المؤمنون إلى يوم القيامة. وما زال كل داع إلى الله ورسوله - من العلماء والهداة المرشدين - يؤذنون فى الناس بالحج إلى آخر الزمن.
وقول الله تعالى: (يَأْتُوكَ رِجَالًا)، يعنى: يأتون إلى المؤذن. وفى هذا سرُّ غريب، لأن الله لم يقل (يأتوه رجالاً) أي الحج، وكذلك لم يقل (يأتوا رجالاً) بإطلاق الإتيان من أى إسناد إلى المأتي إليه، وإنما قال سبحانه: (يَأْتُوكَ) بإسناد الإتيان إلى المؤذن بالحج والداعى إليه، وذلك ليعرفوا منه أحكام الحج وأسراره، وآدابه وحكمته، ومشاهده وأنواره، قبل القيام به، حتى يستيقن الحاج بأنه يزور الله عزَّ وجلَّ في بيته المعظم .
وزيارة ملك الملوك سبحانه وتعالى تحتاج إلى مواقف كثيرة، ومعارف دقيقة، ومشاعر رقيقة، وآداب جمة، قبل الرحلة المقدسة، فإذا تأهل المؤمن على أيدى العارفين بالله، والعلماء بدِين الله، سافر إلى زيارة الحق جلَّ جلاله في قدسه الأعلى، ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ: (يَأْتُوكَ رِجَالًا)، أي: فإن الذين يأتوك هم الرجال حقاً، الذين بلغوا إدراك معاني هذه الرحلة الكبرى، وصدقوا فى قصودهم ونواياهم، وعرفوا مقام الله عزَّ وجلَّ على قدرهم.
وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ): أي وعلى كل نية طيبة، وقصد كريم، وضمير طاهر، وحالة كاملة، يأتين مسارعين ومقبلين.
فكلمة (يَأْتِينَ) حالاً من كل ضامر، أي على كل ضمير نقىٍّ آتين.(مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، والفج العميق يجوز أن يكون هو الحالة المستقرة والمطمئنة والمستريحة من أمور المعايش والمصالح والحياة، فيخرج الحاج من عمق هذه الأحوال، ومن تلك الفجاج الحسية والمعنوية، نافضاً غبار التكاسل والتقاعد عن نفسه، مجدًّا ومجتهداً - فى التخلص من هذه الحياة الهادئة المستقرة مع الأهل والمال والعمل - إلى إجابة الداعي، لأن الحاج قد يكون من أهل الحرم وسدنته، فيكون الفج العميق هو المعاني التي أشرنا إليها، وهو أهم من الطريق البعيد وغيره – قائلاً بلسانه معبراً عما فى ضميره وسره لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)، فليس فى قلبي شيئاً يشغلني عنك، فقد تركت الكل وتوجهت إليك، رغبة ورهبة إليك، فاقبلنى عبداً مخلصاً ومنيباً إليك، متوكلاً عليك وقائماً لك بين يديك، لا مفرَّ ولا ملجاً منك إلا إليك.
اللهم إنى أمنت بكتابك الذى أنزلت، ونبيِّك الذى أرسلت، فاغفر لى ما قدَّمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنك أنت الغفور الرحيم. وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
أحجُّ وقَدْ جَاوَزْتُ سَبْعِينَ حِجَّةً **** وَحَجِّي لَهُ نِسْيَانُ كُلِّ رَفِيقِ
والمعنى: أنه يقول رضى الله عنه أن الحج لذات الله، هو نسيان وهجران وترك كل مُرافق من الأهل والمال والوطن والعمل، وجميع الشواغل الكونية، فراراً إلى الله عزَّ وجلَّ، وإسراعاً إليه بالكلية. وهذا هو الحج الأكبر، الذى يعبر عنه أهل المعرفة بالله تعالى، بأنه إفراد ذات الله بالقصد دون غيره من البيت والحرم، فقد فقال سيدنا أبو يزيد البسطامى رضى الله عنه حججت مرة فرأيت البيت ولم أر رب البيت، وحججت ثانية فرأيت البيت ورب البيت،وحججت ثالثة فرأيت ربَّ البيت ولم أرَ البيت)نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الحج الأكبر لوجهه الكريم، إنه مجيب عفو كريموصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.
المصدرhttp://almsoft.sudanforums.net/