بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
حديث ممتع عن رسول الله بقلم رجل كان ملحداً فصار مؤمناً :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا مع تجربةٍ ممتعة مؤثرةٍ لهذا الرجل الذي كان ملحداً ثم وصل إلى الإسلام الحقيقي، في دروس سابقة تحدثت عن قصة إسلامه وعن فهمه لكتاب الله عز وجل، واليوم ننتقل إلى حديث ممتع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلم رجل كان ملحداً فصار مؤمناً، يقول هذا المؤلف: يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾
[سورة الأحزاب: 6 ]
جعل هذه الآية في صدر فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا بدأ، قال: انتشر الخبر بسرعة كبيرة وبدأت الحشود في الساحة تزدحم وتضج، على الرغم من الدلائل الكثيرة التي ظهرت أخيراً، والتي كانت تنذر بدنو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أصيبت الحشود بالصدمة وكانت على حافة من الهلع، ربما كانت هذه محنتهم الكبرى والتي كانت أشد مما كابدوا من الآلام، ومن الهجرات، ومن الموت، أي أن أكبر محنة عاناها المسلمون هي هذه المحنة، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان دوماً بينهم بقيادته الوطيدة الواثقة، برحمته، بروحانيته العظيمة، بابتسامته المطمئنة، بروح دعابته الوادعة هكذا كان النبي بينهم، هاجروا، وقاتلوا، ومرضوا، وتركوا أوطانهم، وقاتلوا أعداءهم، كل هذا يهون عليهم لأن النبي بينهم بقيادته الحكيمة، بقيادته الوطيدة الواثقة، برحمته، بروحانيته العظيمة، بابتسامته المطمئنة، بروح دعابته الوادعة.
مواقف لبعض الصحابة من موت النبي عليه الصلاة والسلام :
لقد قال مرة لعلي بن أبي طالب وهو يمازحه: انهض يا أبا تراب، كان عليه الصلاة والسلام يمزح مع أصحابه، ومما يدل على تواضعه واحترامه الشديدين أنه بسط ملاءته مرةً لعجوز فقيرة كي تجلس عليها، قال لزوجته عائشة: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، لشدة وفائه صلى الله عليه وسلم، وكان حفيده الحسن يركب كتفه وهو يصلي، وقد كان الله معه دوماً في الغار، في ساحة القتال، في يوم أحد، في المحراب، حتى أن هؤلاء الصحابة الكرام ظنوا أن موته لا يمكن أن يكون حقيقةً مستحيل، وماذا عساهم أن يفعلوا الآن وقد مات عليه الصلاة والسلام؟ أرأيتم إلى هذا الأسلوب، إلى هذه العبارات الحارة، إلى هذا الوصف الدقيق، انطلق عمر من مسكنه واندفع بين الحشد في الساحة ثم صعد المنبر وصرخ قائلاً: إن أناساً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه قد مات، إنهم يكذبون وهدد أن يضرب عنق كل من يقول هذا الكلام، لقد كان أكثر عنفاً من أي وقت مضى، وكانت عيناه تؤكدان شدة غضبه وتوعده.
كان عليه الصلاة والسلام يقول: إن الشيطان إذا ما صادف عمر غير اتجاهه وولى هارباً، طبعاً هو لا يحفظ نص الحديث يقول معنى الحديث، قال: في البداية ارتاح الناس لهذا الكلام، كلام مريح معنى هذا أنه ما مات، ذلك أن عمر قد رأى النبي لتوه في البيت، ولكن الناس كانوا لا يزالون يسمعون بكاء زوجاته في داخل الحجرات، وكان هناك شيء ما غريب حقيقي في احتجاجات عمر، لقد كان أشبه بالولد الذي يرفض أن يصدق وفاة أبيه، وتنهد الجميع بأساً يا الله إنها الحقيقة، ربنا أعنا إن محمداً قد ذهب، هكذا يبدأ فصل محمد عليه الصلاة والسلام.
ثم حضر أبو بكر إلى ساحة المسجد وحصانه يلهث ويتصبب عرقاً من الجري، ونزل على حصانه بسرعة، وانطلق حتى دخل حجرة ابنته فزاح الستارة مستأذناً، فأجابت ابنته أن لا حاجة للاستئذان، ثم مشى إلى الحصيرة حيث كان يرقد صهره رسول الله، وقد غطى وجهه بعباءة، إن صداقتهما تعود إلى سنين عديدة، إلى ما قبل عهد النبوة، إلى ما قبل زواجه من خديجة، كان صديقه الحميم، بل إلى الوقت الذي كانا فيه شابين لامعين في المجتمع المكي، انحنى أبو بكر وقبل وجه حبيبه قائلاً: طبت حياً وميتاً، ثم رفع رأس النبي برفق بين يديه وكانت الدموع تنهمر من عينيه فوق وجه النبي، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أما الموتة التي كتب الله عليك فلقد ذقتها ثم لم يصيبك بعدها موت أبداً، إلى سعادة أبدية، وبرقة بالغة أعاد رأس النبي إلى وسادته وانحنى ثانياً وقبله، ثم أعاد الغطاء على وجهه، ثم غادر الحجرة، إن أبا بكر ـ هكذا يقول المؤلف ـ كان قصير القامة ونحيلها ولقد اشتهر برقة القلب ورقة المشاعر، لم يظهر على أنه الخليفة الطبيعي للرسول، في الحقيقة كانت ابنته عائشة خشيت أن لا يكون أبيها قادراً على أن يؤم المسلمين في الصلاة بسبب طبيعته العاطفية، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرى فيه ما هو أعمق من ذلك.
موقف الصّدّيق من موت النبي الكريم :
بعد خروجه من حجرة ابنته، دخل أبو بكر إلى الساحة ثانيةً واتجه إلى مقدمة الحشد، وحاول أن يجذب انتباه الناس، لكن عمر الذي كان ما يزال يخطب بالناس، لم يكن ليسمح لأحد أن يقاطعه، إلا أن الناس أرادوا أن يسمعوا ماذا يقول أبو بكر، لذلك حولوا انتباههم حوله، قال أبو بكر بصوت مرتفع: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
تعليقي على هذا القول أنه فيما أعتقد ما من رجل أحب رجلاً كما أحب الصديق رسول الله، ومع كل هذا الحب ما حمله على أن يشرك، أبداً لم يقل رسول الله، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، هذا الدين دين التوحيد، فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
عندها التفت عمر إليه وصمت الجميع إصغاءً، من كان يعبد محمداً ثم أضاف ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم إن حدة صوته ارتفعت وهو يتلو قوله تعالى:
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 144 ]
صعق عمر حينما أدرك أن النبي قد مات حقاً، فجثا على ركبتيه يبكي ما كان قد رفض تصديقه لتوه، ثم يبكي الخبر الذي لم يصدقه قبل قليل، ثم إن عمر قال بعدها: كأنما الآية ما نزلت إلا يومئذ، وكأنما لم يقرأها من قبل، وهكذا أصبح موت النبي عليه الصلاة والسلام حقيقةً واقعة.
دور أبي بكر قيادة الأمة الإسلامية عبر إحدى أصعب حقب تطورها :
يقول هذا المؤلف: أنا أقول لكم لعل أحدكم يتساءل ما الذي جعل الأستاذ يقرأ من هذا الكتاب مثلاً، أريد أن لا تنسوا أبداً أن في الكون حقيقةً واحدة هي الله، وأن كل إنسان عرف الله، واستقام على أمره، وأقبل عليه، يصبح أقرب الناس إليك مهما كان بعيداً، مهما كان بعيداً بعرقه، وجنسه، وديانته، وثقافته، واختصاصه، وعمله، لو أن إنساناً من طرف الدنيا الآخر وصل إلى الله لرأيته أقرب الناس إليك، هذا كلام إنسان كان ملحداً قبل سنوات.
أيها الأخوة، يقول هذا المؤلف: لقد كان دور أبي بكر محدداً فقد توفي بعد عامين من موت النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الوقت كان أشد الأوقات حساسيةً، على هذا الخليفة العظيم أن يقود الأمة الإسلامية الجديدة عبر إحدى أصعب حقب تطورها، أصعب فترة، وقد كان نزول الوحي قد اكتمل، وقد تم تطبيق ما أنزل على نحو عملي، وقد آن الأوان لهذه الأمة أن تنطلق بمفردها بعد أن فقدت أمن الحياة بصحبة النبي، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
[سورة الأنفال: 33 ]
وجود النبي بين أظهرهم، هم في بحبوحة من عذاب الله، هم في مأمن من عذاب الله لأن النبي بشخصه كان بين أظهرهم، بقيادته الحكيمة، برحمته الواسعة، بحكمته الدقيقة، بدعابته اللطيفة، بأنسه، بروحانيته العظيمة، كان بينهم، الآن أمة بلا نبي تجربة جديدة.
الآن هذه الأمة تطبق الرسالة في أقاليم مترامية الأطراف، ويوجد روح قبلية في هؤلاء الذين آمنوا حديثاً، ما كل ما دخل في دين الله كان إيمانه عميق، طبعاً هؤلاء الصحابة الكرام الذين عرفوا الله في وقت مبكر، ودافعوا عن النبي ونصروه، وبذلوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس هؤلاء كانوا مثل عليا، لكن حينما دخل الناس في دين الله أفواجاً، هؤلاء الناس ليسوا على المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه، لذلك ما إن توفي النبي عليه الصلاة والسلام حتى ارتد معظم العرب عن دين الله، وصار هناك دعوات إلى النبوة، ومسيلمة الكذاب، وشرك، وفتن، وهذا الخليفة الذي كان رفيق النبي عليه الصلاة والسلام عليه أن يقود هذه الأمة في أصعب مراحلها، في أدق الظروف.
قصة إيمان ( جيفري لنك4 ). فصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي