اختلاف الدِين:
قال تعالى: ( وََلوْ شَاءَ رَبُّكَ َلجَعَلَ الناسَ أُمَّة واحِدًَة ولا يَزاُلونَ مُخَتلِفِينَ. إلاَّ مَنْ رَّحِمَ رَبُّكَ وَلَِذلِكَ َ خَلَقهُمْ ) سورة هود الآيتان 118 / 119
من المعلوم أن الناس مختلفون في الرأي والعقيدة والسلوك بحكم طبيعتهم البشرية التي َتخطِئ وُتصِيب.
واختلاف البشر في شرائعهم واقع بمشيئة الله تعالى ومرتبط بحكمته، قال
عز وجل: ( لِكلٍّ جَعَْلَنا مِْنكمْ شِرْعَة وَمِْنهَاجًا وََلوْ َشاءَ اللهُ َلجَعََلكمُ أُمَّة وَاحِدًَة وََلكِنْ
. لِيَبُْلوَكمْ فِيمَا ءَاَتاكمْ َفاسَْتبُِقوا الخيْرَاتِ إَِلى اللهِ مَرْجِعُكمْ جَمِيعًا ) سورة المائدة 48
2 أسس علاقة المسلمين بغيرهم:
يتمّتع غير المسلمين المقيمون في بلاد المسلمين بسلسلة من الضمانات
التي منحها لهم المجتمع المسلم بهدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم. وهذه الضمانات تقوم أسس من أهمّها:
التسامح: إن الحلم والتسامح دليل اكتمال العقل، وصفة أهل التقوى، قال
تعالى: ( وَالكاظِمِينَ الغيظ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يَحِبُّ المُحْسِنِينَ ) سورة آل عمران الآية 55
ومما يتصل بالتسامح الذي دعا إليه الإسلام، أنّ قريبا لأبي بكر كان يعيش
على إحسانه لم يتورّع عن التحدّث في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
في حادثة الإفك، فنسي بذلك حق القرابة وحق الصنيع القديم. مما دفع أبا بكر
رضي الله عنه يحلف أن يترك قريبه هذا، ولا يصله كما كان يصله. فنزل قوله
تعالى: ( وََلا يَأَْتلِ أُوُلوا الَفضْلِ مِْنكمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤُْتوا أُولِي الُقرْبَى وَالمَسَاكِينَ
وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَْليَعُْفوا وَْليَصَْفحُوا أََلا ُتحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ َلكمْ وَاللهُ غَفُورٌ
. رَحِيمٌ ) سورة النور الآية 22
البر: والبر أعلى أنواع المعاملة، فقد أمر الله به في باب التعامل مع
الوالدين، وقد وضحه رسول الله بقوله: ( البِرُّ حُسْنُ الخُلق ). فقد أوجب الإسلام
حسن العشرة وصلة الرحم حتى مع الاختلاف في الدين، فقد أمر الله بحسن
الصحبة للوالدين وإن جهدا في ردّ ابنهما عن التوحيد إلى الشرك، فإنّ ذلك لا
يقطع حقهما في برّه وحسن صحبته: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عََلى أَنْ ُتشرِكَ بِي مًا َليْسَ َلكَ
. بِهِ عِْلمٌ َفَلا ُتطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّْنيَا مَعْرُوفًا ) سورة لقمان الآية 15
ومن صور البر التي تهدف إلى كسب القلوب واستلال الشحناء، الهديّة، وقد
أهدى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مخالفيه في الدين، من ذلك ما رواه ابن
زنجويه أنّ رسول الله أهدى إلى أبي سفيان تمر عجوة، وهو بمكة، وكتب إليه
يستهديه أدمًا، فأهدى إليه أبو سفيان.
الإحسان: قال تعالى: ( َلا يَْنهَاكمُ اللهُ عَنِ الذِينَ َلمْ يَُقاتُِلوكمْ فِي الدِّينِ وََلمْ
يُخرِجُوكمْ مِنْ دِيَارِكمُ أَنْ َتبَرُّوهُمْ وَُتْقسِطوا إَِليْهِمُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُْقسِطِينَ ) سورة
الممتحنة الآية 8، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أََلا مَنْ َظَلمَ مُعَاهِدًا أَوْ اِْنَتَقصَهُ أَوْ
َ كلََّفهُ َفوْق َ طاَقتِهِ أَوْ أَخذ مِْنهُ َ شيْئًا بِغيْرِ َ طيْبِ َنْفسٍ، َفأََنا َ خصِمُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) رواه
أبو داود.
العدل: إذا فات غير المسلم رابطة الإيمان وإخوة الدين فلن تفوته حماية
المسلمين وعدل الإسلام وبرّ المجتمع الإسلامي، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَُنوا
ُ كوُنوا َقوَّامِينَ للهِ ُ شهَدَاءَ بِالقِسْطِ وََلا يَجْرِمَنَّكمْ َ شَنآنُ َقوْمٍ عََلى أَلَّا َتعْدُِلوا اِعْدُِلوا هُوَ
. أَْقرَبُ لِلتَّْقوَى ) سورة المائدة الآية 8
لقد أمر القرآن الكريم بالعدل، وخصَّ بمزيد تأكيده على العدل مع
المخالفين الذين قد يظلمهم المرء بسبب الاختلاف.
3 حقوق غير المسلمين وواجباتهم في بلد الإسلام:
إنّ أساس نظام المجتمع في الإسلام هو العقيدة الإسلامية، وهذه العقيدة هي
الموجّهة لأفكار الإنسان وسلوكه وسائر تصرفاته، ولا يمكن التخلي عنها في شأن
من الشؤون.
ومن يرفض اعتناق هذه العقيدة فإنّ المجتمع الإسلامي لا يرفض قبوله فيه
إذا رغب هو في الانتماء إليه بشرط إعلان ولائه له وخضوعه لنظامه عن طريق
عقد الذمة ( الذمي هو من يعيش بين المسلمين فهو مواطن معهم ). وفي هذه
الحالة سيجد غير المسلم مكانًا أمينًا ويتمّتع بالحقوق العامّة والخاصّة وبحماية تامّة
لنفسه وماله وعرضه. قال صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ َقَتلَ مُعَاهَدًا َلمْ يَرِحْ رَائِحَة
الْجَنَّةِ ) رواه البخاري.
والفقهاء يقررون قاعدة ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا )، والواقع يشهد بأن
غير المسلمين عاشوا في المجتمع الإسلامي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
حتى اليوم دون أن يمسّهم أذى أو تضييق بسبب دينهم، والواقع يثبت أنهم ظفروا
بحماية ورعاية من المسلمين لا نجد لهما نظيرًا مطلقًا في أيّ مجتمع بالنسبة
للأقليات التي فيه.
ومن أهمّ حقوق غير المسلمين التي كفلها الإسلام لهم:
أو ً لا : ضمان حرية المعتقد:
الإنسان يختار ما يشاء من المعتقد والسلوك من غير إكراه، سواء يعيش في
وسط المجتمع الإسلامي أم لا، قال تعالى: ( َلا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ َقدْ َتبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ ) سورة البقرة الآية 256 ، والله يتولى في الآخرة حسابه، قال عز وجل:
( وَُقلِ الحَقُّ مِنْ رَّبِّكمْ َفمَنْ َ شاءَ َفْليُومِنْ وَمَنْ َ شاءَ َفْليَكُفرِ اِنَّا أَعَْتدَْنا لِلظَّالِمِينَ َنارًا
. َاحَاط بِهِمْ سُرَادُِقهَا ) سورة الكهف الآية 29
ثانيًا: حرية ممارسة العبادة وضمان سلامة دورها:
إذا لم يجبر الإسلام من تحت ولايته على الدخول فيه، فإّنه يكون بذلك قد
ترك الناس على أديانهم، وأوّل مقتضياته الإعراض عن ممارسة الآخرين
لعباداتهم، وضمان سلامة دور العبادة.
يقول ابن سعد: ( وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث
بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: أن لهم ما تحت أيديهم من
قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف
عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته ).
ثالثا: حق الحماية من كل أذى:
قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل لم يُحِلَّ لكم أن تدخلوا بيوت
أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضَرْبَ نسائهم، ولا أكلَ ثمارهم، إذا أعطوكم الذي
عليهم ).
وأكد أن ظلم غير المسلم موجب لانتقام الله الذي يقبل شكاته ودعوته على
ظالمه المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا
فإنه ليس دونها حجاب ).
رابعا: التكافل الاجتماعي:
لعل من أهمّ الضمانات التي يقدمها الإسلام لغير المسلمين الذين يقيمون
في المجتمع المسلم كفالتهم ضمن نظام التكافل الإسلامي.
روى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب رأى شيخًا كبيرًا من أهل
الجزية يسأل الناس فقال: ( ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية، ثم
كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير ).
وقد سجّل هذه الرعاية الفريدة المستشرق بارتولد في كتابه ” الحضارة
الإسلامية “، فقال: ” إنّ النصارى كانوا أحسن حالا تحت حكم المسلمين، إذ أن
المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية
والتساهل “.