إذا كان ما يسمى بتنظيم الدولة قد أسس لقبائله، في بعض البلدان المنهارة، التي تمزقت فيها الدولة نهائيا، مثل اليمن وسوريا والعراق وصولا إلى ليبيا، فأصبحت له محاكم وسجون وحتى مدرّعات وسيارات من آخر طراز من رباعية الدفع لا تمتلكها حتى بعض الجيوش، فإن كل البلدان المحيطة بهذه الدولة التي تنمو إلكترونيا ونفسيا أيضا في يوميات الناس بشكل رهيب، بسبب ما تبثه في كل دقيقة من صور وفيديوهات، قد صارت على مقربة من التصادم بهاته الجماعات، التي تبدو أنها أقوى بكثير من تنظيم القاعدة، الذي لم تخدمه التكنولوجيا كما تخدم داعش الآن، ولم يخدمه استقرار البلدان العربية والإسلامية في السنوات الماضية.
كما تخدم الفوضى هذا التنظيم الذي وضع أسسه في بلاد، تعدد فيها المتخاصمون، كما حدث في سوريا، حيث تمكّن الثوار الحقيقيون المعارضون للنظام السوري، من تضعيف بشار الأسد وجماعته، وتمكّن النظام السوري من تضعيف الثوار، فوجد التنظيم نفسه بين ضعيفين، فزرع نفسه كطرف قوي في معادلة الحرب الأهلية، ثم انتقل إلى العراق وفي أجواء لا دولة فيها، تمكن من احتلال الكثير من المحافظات، وحقق فيها جميعا ما لم تحققه القاعدة في سنوات قوتها، من العراق وسوريا، وتضرّرت البلدان المحيطة بها، ومنها الأردن التي دفع طيارها الأسير الكساسبة الثمن حرقا، في منظر هزّ العالم بأسره، وفي السرّ والكتمان، وصل التنظيم إلى ليبيا، ويخشى الكثيرون أن تكون عملية اغتيال القبطيين المصريين، بداية، وليست حادثا منفردا أو عابرا، فمعروف عن التنظيمات الإرهابية، أن روح بقائها هي الخبطات الإعلامية الكبرى، التي لا تكون بسوى مثل هاته العمليات الدامية، كما كانت تفعل الجماعات المسلحة بمختلف أجنحتها في الجزائر، ضمن حرب بقاء، وحرب نفسية طويلة الأمد، ولكنها من دماء الأبرياء، خاصة عندما تعجز هاته التنظيمات عن الوصول إلى الصيد السمين، من عساكر ورجال سياسة ودين، فإن المجازر الجماعية تصبح وظيفتها الأولى.
وإذا سلّمنا بأن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن قد وُلد في أفغانستان التي لا تملك أي إمكانات مادية باستثناء بقايا من ثروة أسامة بن لادن، ومع ذلك تمكنت من التحرك في مختلف القارات في زمن لم يكن فيه للأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أي تأثير، ووصلت القاعدة حتى إلى شمال إفريقيا باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فإن داعش حاليا وبهاته القوة على الحدود مع الجزائر، التي تعتبرها مكانا سبق له وأن شهد تنظيمات، لا تختلف عنها في توجهاتها، خاصة أن تقارير إعلامية واستخباراتية تونسية وغربية، أكدت بأن القادة الكبار لهذا التنظيم من دولة مجاورة لليبيا وللجزائر وهي تونس، مما يعني أن الوصول إلى أي هدف في دول المغرب العربي، لن يكون بنفس الصعوبة، كما كانت الحال مع تنظيم القاعدة حسب تصوّر هاته الجماعات التي تقدم في الفترة الأخيرة استعراضات إلكترونية يتابعها الملايين من البشر من باب الفضول، فيها الكثير من التمويه وبعض الحقيقة، لأن بعض الصور التي لم تمسسها تقنيات الفوتو شوب قدمت صورا لمدرعات ومحاكم عالية البنيان .
وكانت شهادات جزائريين عادوا من ليبيا في الأشهر الأخيرة بعد تدهور الأوضاع الأمنية قد تحدثت لـ "الشروق اليومي" عن السقوط الفعلي للكثير من المدن الشرقية في ليبيا، وقراها في أيدي تنظيمات، تمتلك المال الوفير بعضه سُرق من بعض خزائن نظام معمر القذافي المنهار، والبعض الآخر من الحواجز المزيفة ومن الفدية، جعلها تبني ما يشبه الدويلات الدامية، في دولة ليبيا التي تدفع الآن ثمن التدخل العسكري الذي قادته فرنسا في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
ويخشى البعض من أن تتحول الضربات الجوية، التي باشرتها مصر، منذ إعدام مواطنيها الأقباط، والتدخل الوارد من فرنسا وإيطاليا وحتى الإمارات العربية المتحدة جوا وبرا وبحرا، إلى حالة فرار طبيعية من بعض أفراد هذا التنظيم الذين لن يتقدموا بكل تأكيد نحو شرق البلاد وإنما نحو غربها، حيث توجد تونس والجزائر، مستغلة تواجد بعض الأطراف من التنظيم في تونس، وفتوّة هذا البلد مع الدولة الديمقراطية الجديدة، واستغلالا للحالة الاجتماعية البائسة لبعض التونسيين.