سقوط إشبيلية.. سقوط خمس قرون إسلام
سقوطإشبيلية كان إيذانا بسقوط سائر بلاد الأندلس الغربية وتقلصت رقعة الدولة المسلمةفي الأندلس, وقد طال حصار الصليبيين بقيادة فرناندو ملك قشتالة على المدينة وأبدىالمسلمون آيات من البسالة في الدفاع عنها, حتى سقطت في أيديهم وذلك بعد أن حكمهاالمسلمون أكثر من خمسة قرون, ولكن ما هي الأسباب الحقيقية وراء سقوط إشبيلية؟
المكان:مدينة إشبيلية - درة الأندلس
الموضوع:سقوط مدينة إشبيلية أكبر مدن الأندلس في يد الصليبيين بعد حصار دام عامًا ونصف.
الأحداث:
سقوط إشبيلية سقوط خمس قرون إسلام في بلاد الأندلستعجب كثيرمن المسلمين وذهلوا عندما قرر قادة التحالف الشمالي في أفغانستان وضع أيديهم فيأيدي أعداء الإسلام في حملتهم الصليبية على بلاد المسلمين, وكم كانت الفاجعة عندمارأوا المسلمين يحاربون بجانب الصليبيين ضد إخوانهم المسلمين, ولكن لا عجب فهي قصةقديمة تكررت كثيرًا عبر أحداث التاريخ بصورة مختلفة ولكن النتيجة واحدة والنهايةواحدة في كل هذه القصص هي الخسارة والندامة والضياع ثم الاحتقار والازدراء فيمزبلة التاريخ, حيث يرجم المسلمون بعدهم تاريخهم القذر, وصفحتنا هذه قصة قديمةلضياع بلاد المسلمين بسبب أمثال هذه التحالفات الخبيثة.
كانلسقوط سلطان الموحدين عن الأندلس دويًّا هائلاً على مجريات الأحداث في هذه البلادالتليدة في الإسلام والإيمان حيث حدث فراغ في السلطة في تلك البلاد وانقسمتلدويلات صغيرة وإمارات متناثرة هنا وهناك بعد أن كانت دولة مترابطة وما حدث كانأسمى أمنيات عباد الصليب الذين كانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر ويقضمون من بلادهمكل يوم قضمة وتقلصت الدولة المسلمة في الأندلس من أطرافها وسقطت معظم الجبهةالشرقية..
وفيهذه الفترة ظهرت بارقة أمل عندما قام رجل سليل الأسر الحاكمة السابقة للأندلس وهوالمتوكل بن هود وعمل على استرجاع أمجاد الماضي وخاض حروبًا شرسة ضد الصليبيينوخاصة أهل قشتالة الذين كانوا يعتبرون أنفسهم حماة الصليب, وكان ابن هود يدخلالحروب على عدة جبهات ضد الصليبيين, وفي أثناء ذلك امتدت أيد آثمة في الظلاملتغتال الحلم وتقضي على آمال استعادة ما فات, حيث يقتل ابن هود غيلة وخيانة سنة635هـ, وكان ابن هود أميرًا شجاعًا كريم الصفات يضطرم إخلاصًا وغيرة للإسلاموالمسلمين, ولكن الأقدار حالت بينه وبين تحقيق حلمه وهدفه المنشود.
استغلالصليبيون مقتل ابن هود وأخذوا في الاستيلاء على بلاد الأندلس واحدة تلو الأخرىوساعدهم على ذلك اشتعال نار الفتنة بين أهل الأندلس الذين لم يتخلصوا منها على مرالسنين؛ فالعصبية القبلية كانت السبب المباشر لبلية تلك البلاد، وفي تلك الآونةالعصيبة التي أخذت فيها قواعد الأندلس العظيمة مثل قرطبة وبلنسية ومرسية تسقطتباعًا في يد الصليبيين، في حين كان يؤثر الزعماء المسلمون الأصاغر إلى مصانعة ملكقشتالة الصليبي والانضواء تحت لوائه، وكانت أسبانيا الصليبية قد انتهت منالاستيلاء على الولايات الشرقية كلها، ولم يبق عليها سوى التهام الولايات الغربية..
وفيتلك الفترة ظهرت مملكة غرناطة وزعيمها الجديد ابن الأحمر الذي كان يحظى بتأييدجمهرة كبيرة من الشعب الأندلسي، ولا سيما في الجنوب، ولم يكن تحته ما يمنع منالتفاف الأمة الأندلسية كلها حول لواء هذا الزعيم المنقذ، ولكن روح التفرقوالتنافس كانت متأصلة في نفوس المتغلبين والطامعين، وكان أصاغر الزعماء والحكاميؤثرون الانضواء تحت لواء ملك الصليبيين والاحتفاظ في ظله بمدنهم وقواعدهم علىمظاهرة ابن الأحمر المسلم، وهكذا تكون العصبية القبلية والدنيا سببًا للتضحيةبأقدس المبادئ ووشائج الإسلام.
فيتلك الفترة استعد فرناندو الثالث ملك قشتالة الصليبي للاستيلاء على مدينة إشبيليةأعظم القواعد الأندلسية، فبدأ أولاً بالاستيلاء على مدينة "قرمونة" حصن إشبيليةالأمامي بمعاونة حلفائه من المسلمين الجبناء، وعمل بعد ذلك على افتتاح باقي الحصونالقريبة من إشبيلية واستطاع بعض قادة المسلمين المتحالفين معه إقناع أصحاب هذهالحصون تسليمها لملك قتشالة فتمهد السبيل لمحاصرة إشبيلية، وبالفعل بدأ الصليبيونمحاصرتها في جمادى الأولى سنة 645هـ وحشد فرناندو حول المدينة قوات عظيمة، وتسابقالأمراء والأشراف والأحبار والكهان في الاشتراك في هذه الحملة الصليبية الخطيرة،ورابط أسطول كبير في نهر الوادي الكبير لإحكام الحصار على إشبيلية، ويا له من عارأن يشترك مسلمون في محاصرة إخوانهم مع ألد أعدائهم.
وصممأهل إشبيلية الدفاع عن مدينتهم حتى آخر رمق فيهم، وكان يقود المدينة وقتها القائدشقاف الزعيم الحقيقي للمسلمين وقتها، وطال وقت الحصار واشتد على المسلمين، وكانتالمدينة محاصرة تتلقى مساعدات من وقت لآخر من أهل المغرب الذين كانت تتحطم قلوبهمحزنًا مما يجري لإخوانهم المسلمين في الأندلس.
طالالحصار على المدينة قرابة الثماني عشرة شهرًا وأبدى المسلمون آيات من البسالةوالجلد في الدفاع عن حاضرة الإسلام في الأندلس, ولكن كيف السبيل للاستمرار وقدانقطعت بهم السبل, فلا قوة يدافعون بها ولا قوت يتقوتون به ولا إخوان يدافعون عنهم,بل إخوان يحاربونهم, وفي النهاية بعد ملحمة الصمود والدفاع المجيد اضطر أهل إشبيليةإلى قبول مصيرهم المحتوم وارتضوا تسليم المدينة على أن يؤمن المسلمون في أنفسهموأموالهم وأن يمهلوا شهرًا لتسوية شئونهم وإخلاء دورهم والتأهب للرحيل, على أنيقوم ملك قشتالة بنقلهم على سفنه للأماكن التي يتخيرونها..
وكلهذه الشروط كان الصليبيون في العادة يرفضونها, ويبدو أن الاستيلاء على هذه المدينةكان من أكبر أحلامهم؛ لذلك قبلوا شروط المسلمين, ودخل فرناندو الصليبي ملك قشتالةمدينة إشبيلية في 5 رمضان سنة 646هـ في موكب فخم, وذلك بعد أن حكمها المسلمون أكثرمن خمسة قرون, وبمجرد دخوله إشبيلية أصدر أمره بتحويل مسجدها الجامع إلى كنيسةوإزالة معالم الإسلام منها بسرعة, وكان سقوط إشبيلية إيذانًا بسقوط سائر بلادالأندلس الغربية وتقلصت رقعة الدولة المسلمة في الأندلس بسرعة مروعة, كل ذلك لأنبعض الجبناء الطامعين من زعماء المسلمين رأوا وارتضوا مسالمة الصليبيين علىالاتحاد مع المسلمين, وكما قلنا إنها قصة قديمة جديدة ولا حول ولا قوة إلا بالله.