الدروس المهمة لعامة الأمة
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار الوطن
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامَّة عن دين الإسلام، سميتها: (الدروس المهمة لعامَّة الأمة).
وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين، وأن يتقبلها مني، إنه جواد كريم.
الدرس الأول: سورة الفاتحة وقصار السور
سورة الفاتحة وما أمكن من قصار السور، من سورة الزلزلة إلى سورة الناس، تلقيناً، وتصحيحاً للقراءة، وتحفيظاً، وشرحاً لما يجب فهمه.
الدرس الثاني: أركان الإسلام
بيان أركان الإسلام الخمسة، وأولها وأعظمها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بشرح معانيها، مع بيان شروط لا إله إلا الله، ومعناها: (لا إله) نافياً جميع ما يعبد من دون الله، (إلا الله) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له.
وأما شروط (لا إله إلا الله) فهي: العلم المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المنافي للكذب، والمحبة المنافية للبغض، والانقياد المنافي للترك، والقبول المنافي للرد، والكفر بما يعبد من دون الله.
وقد جمعت في البيتين الآتيين:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع *** محبة وانقياد والقبــول لهـا وزيد ثامنها الكفران منك بمـا *** سوى الإله من الأشياء قد ألها
مع بيان شهادة أن محمداً رسول الله، ومقتضاها: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرعه الله عز وجل، ورسوله .
ثم يبين للطالب بقية أركان الإسلام الخمسة، وهي: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً.
الدرس الثالث: أركان الإيمان
أركان الإيمان، وهي ستة: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى.
الدرس الرابع: أقسام التوحيد وأقسام الشرك
بيان أقسام التوحيد، وهي ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
أما توحيد الربوبية: فهو الإيمان بأن الله سبحانه الخالق لكل شيء، والمتصرف في كل شيء، لا شريك له في ذلك.
وأما توحيد الألوهية: فهو الإيمـان بأن الله سـبحانه هو المعبـود بحق لا شريك له في ذلك، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، فجميع العبادات من صلاة وصوم وغير ذلك يجب إخلاصها لله وحده، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره.
وأما توحيد الأسماء والصفات: فهو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم، أو الأحاديث الصحيحة من أسماء الله وصفاته، وإثباتها لله وحده على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، عملاً بقول الله سبحانه: قُلْ هُوَ اللهُ أحد، اللهُ الصمَدُ، لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكُن لَّهُ كُفُواً أحد [الصمد: كاملة]، وقوله عز وجل: ليس كمثله شيءُ وَهُوَ السَّمِيعُ البصِيرُ [الشورى:11]، وقد جعلها بعض أهل العلم نوعين، وأدخل توحيد الأسماء والصفات في توحيد الربوبية، ولا مشاحة في ذلك، لأن المقصود واضح في كلا التقسيمين.
وأقسام الشرك ثلاثة: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي.
فالشرك الأكبر: يوجب حبوط العمل والخلود في النار لمن مات عليه، كما قال الله تعالى: ولو أشركوُا لحبط عنهم ما كانوا يعملُون [الأنعام:88]، وقال سبحانه: ما كان للمُشركين أن يعمُرُوا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفُرِ أُولئك حَبِطتّ أعمالُهُم وفي النَّارِ هُم خالدُون [التوبة:17]، وأن من مات عليه فلن يغفر له، والجنة عليه حرام، كما قال الله عز وجل: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفرُ ما دُون ذلك لمن يشاءُ [النساء:48]، وقال سبحانه: إنهُ من يُشرِك بالله فقد حرم اللهُ عليه الجنَّةَ ومأواهُ النّارُ وما للظالمين من أنصارِ [المائدة:72].
ومن أنواعه: دعاء الأموات، والأصنام، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك.
أما الشرك الأصغر: فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب أو السنة تسميته شركاً، ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر، كالرياء في بعض الأعمال، والحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ونحو ذلك، لقول النبي: { "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" فسئل عنه، فقال: "الرياء" } [رواه الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي، عن محمود بن لبيد الأنصاري بإسناد جيد، ورواه الطبراني بأسانيد جيدة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، عن النبي ].
وقوله : { من حلف بشيء دون الله فقد أشرك } [رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما]، عن النبي : (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، وقوله : { لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان } [أخرجه أبو داود بإسناد صحيح، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه].
وهذا النوع لا يوجب الردة، ولا يوجب الخلود في النار، ولكنه ينافي كمال التوحيد الواجب.
أما النوع الثالث: وهو الشرك الخفي، فدليله قول النبي : { ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه } [رواه الإمام أحمد في مسنده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
ويجوز أن يقسم الشرك إلى نوعين فقط:
أكبر وأصغر، أما الشرك الخفي فإنه يعمهما.
فيقع في الأكبر، كشرك المنافقين، لأنهم يخفون عقائدهم الباطلة، ويتظاهرون بالإسلام رياءً، وخوفاً على أنفسهم.
ويكون في الشرك الأصغر، كالرياء، كما في حديث محمود بن لبيد الأنصاري المتقدم، وحديث أبي سعيد المذكور. والله ولي التوفيق.
الدرس الخامس: الإحســـان
ركن الإحسان، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الدرس السادس: شروط الصلاة
شروط الصلاة، وهي تسعة:
الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية.
الدرس السابع: أركان الصلاة
أركان الصلاة، وهي أربعة عشر:
القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال بعد الركوع، والسجود على الأعضاء السبعة، والرفع منه، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأفعال، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي ، والتسليمتان.
الدرس الثامن: واجبات الصلاة
واجبات الصلاة، وهي ثمانية:
جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول: (سمع الله لمن حمده) للإمام والمنفرد، وقول: (ربنا ولك الحمد) للكل، وقول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، وقول: (رب اغفر لي) بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له.
الدرس التاسع: بيان التشـهد
بيان التشهد، وهو أن يقول:
(التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
ثم يصلي على النبي ويبارك عليه، فيقول: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
ثم يستعيذ بالله في التشهد الأخير من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يَتَخَيَّر من الدعاء ما شاء، ولا سيما المأثور من ذلك، ومنه:
(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).
أما في التشهد الأول فيقوم بعد الشهادتين إلى الثالثة في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإن صلى على النبي فهو أفضل، لعموم الأحاديث في ذلك، ثم يقوم إلى الثالثة.
الدرس العاشر: سنن الصلاة
سنن الصلاة، ومنها:
1. الاستفتاح.
2. جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام، قبل الركوع وبعده.
3. رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة حذو المنكبين أو الأذنين عند التكبير الأول، وعند الركوع، والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة.
4. ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود.
5. ما زاد على قول: (ربنا ولك الحمد) بعد القيام من الركوع، وما زاد عن واحدة في الدعاء بالمغفرة بين السجدتين.
6. جعل الرأس حيال الظهر في الركوع.
7. مجافاة العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في السجود.
8. رفع الذراعين عن الأرض حين السجود.
9. جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة، ونصب اليمنى في التشهد الأول وبين السجدتين.
10. التورك في التشهد الأخير في الرباعية والثلاثية وهو: الجلوس على مقعدته وجعل رجله اليسرى تحت اليمنى ونصب اليمنى.
11. الإشارة بالسبابة في التشهد الأول والثاني من حين يجلس إلى نهاية التشهد وتحريكها عند الدعاء.
12. الصلاة والتبريك على محمد، وآل محمد، وعلى إبراهيم، وآل إبراهيم في التشهد الأول.
13. الدعاء في التشهد الأخير.
14. الجهر بالقراءة في صلاة الفجر، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، والاستسقاء، وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء.
15. الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر، وفي الثالثة من المغرب، والأخيرتين من العشاء.
16. قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن، مع مراعاة بقية ما ورد من السنن في الصلاة سوى ما ذكرنا، ومن ذلك: ما زاد على قول المصلي: (ربنا ولك الحمد)، بعد الرفع من الركوع في حق الإمام، والمأموم، والمنفرد، فإنه سنة، ومن ذلك أيضاً: وضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع حين الركوع.
الدرس الحادي عشر: مبطلات الصلاة
مبطلات الصلاة، وهي ثمانية:
1. الكلام العمد مع الذكر والعلم، أما الناسي والجاهل فلا تبطل صلاته بذلك.
2. الضحك.
3. الأكل.
4. الشرب.
5. انكشاف العورة.
6. الانحراف الكثير عن جهة القبلة.
7. العبث الكثير المتوالي في الصلاة.
8. انتقاض الطهارة.
الدرس الثاني عشر: شروط الوضوء
شروط الوضوء، وهي عشرة:
الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، واستصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتم طهارته، وانقطاع موجب الوضوء، واستنجاء أو استجمار قبله، وطهورية ماء وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، ودخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم.
الدرس الثالث عشر: فروض الوضوء
فروض الوضوء، وهي ستة:
غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح جميع الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين مع الكعبين، والترتيب، والموالاة.
ويستحب تكرار غسل الوجه، واليدين، والرجلين ثلاث مرات، وهكذا المضمضة، والاستنشاق، والفَرْض من ذلك مرة واحدة، أما مسح الرأس فلا يستحب تكراره كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
الدرس الرابع عشر: نواقض الوضوء
نواقض الوضوء، وهي ستة:
الخارج من السبيلين، والخارج الفاحش النجس من الجسد، وزوال العقل بنوم أو غيره، ومس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً من غير حائل، وأكل لحم الإبل، والردة عن الإسلام، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك.
تنبيـه هـام: أما غسل الميت: فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء، وهو قول أكثر أهل العلم، لعدم الدليل على ذلك، لكن لو أصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء.
والواجب عليه ألا يمس فرج الميت إلا من وراء حائل، وهكذا مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواء كان ذلك عن شهوة، أو غير شهوة في أصح قولي العلماء، ما لم يخرج منه شيء، لأن النبي قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ.
أما قول الله سبحانه في آيتي النساء، والمائدة: أو لامستُمُ النِساءَ [النساء:43، والمائدة:6]، فالمراد به: الجماع، في الأصح من قولي العلماء، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وجماعة من السلف والخلف.
الدرس الخامس عشر: التحلي بالأخلاق المشروعة لكل مسلم
التحلي بالأخلاق المشروعة لكل مسلم، ومنها: الصدق، والأمانة، والعفاف، والحياء، والشجاعة، والكرم، والوفاء، والنزاهة عن كل ما حرم الله، وحسن الجوار، ومساعدة ذوي الحاجة حسب الطاقة، وغير ذلك من الأخلاق التي دلّ الكتاب أو السنة على شرعيتها.
الدرس السادس عشر: التأدب بالآداب الإسلامية
التأدب بالآداب الإسلامية، ومنها:
السلام، والبشاشة، والأكل باليمين والشرب بها، والتسمية عند الابتداء، والحمد عند الفراغ، والحمد بعد العطاس، وتشميت العاطس إذا حمد الله، وعيادة المريض، واتباع الجنائز للصلاة والدفن، والآداب الشرعية عند دخول المسجد، أو المنزل والخروج منهما، وعند السفر، ومع الوالدين، والأقارب والجيران، والكبار والصغار والتهنئة بالمولود، والتبريك بالزواج، والتعزية في المصاب، وغير ذلك من الآداب الإسلامية في اللبس والخلع والانتعال.
الدرس السابع عشر: التحذير من الشرك وأنواع المعاصي
الحذر والتحذير من الشرك وأنواع المعاصي، ومنها: السبع الموبقات (المهلكات) وهي: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حَرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
ومنها: عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشهادة الزور، والأيمان الكاذبة، وإيذاء الجار، وظلم الناس في الدماء، والأموال، والأعراض، وشرب المسكر، ولعب القمار ـ وهو الميسر ـ والغيبة، والنميمة، وغير ذلك مما نهى الله عز وجل عنه، أو رسوله .
الدرس الثامن عشر: تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه
وإليك تفصيل ذلك:
أولاً: يشرع تلقين المحتضر: (لا إله إلا الله)، لقول النبي : { لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله } [رواه مسلم في صحيحه]، والمراد بالموتى في هذا الحديث: المحتضرون، وهم من ظهرت عليهم أمارات الموت.
ثانياً: إذا تيقن موته أغمضت عيناه وشد لحياه، لورود السنة بذلك.
ثالثاً: يجب تغسيل الميت المسلم، إلا أن يكون شهيداً مات في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، بل يدفن في ثيابه، لأن النبي صلى الله عليه لم يغسل قتلى أحد ولم يصل عليهم.
رابعاً: صفة غسل الميت:
أنه تستر عورته، ثم يرفع قليلاً ويعصر بطنه عصراً رفيقاً، ثم يلف الغاسل على يده خرقة أو نحوها فينجيه بها، ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة، يمر في كل مرة يده على بطنه، فإن خرج منه شيء غسله، وسدَّ المحل بقطن أو نحوه، فإن لم يستمسك فبطين حرٍ، أو بوسائل الطب الحديثة، كاللزق ونحوه.
ويعيد وضوءه، وإن لم ينق بثلاث زيْد إلى خمس، أو إلى سبع، ثم ينشفه بثوب، ويجعل الطيب في مغابنه، ومواضع سجوده، وإن طيبه كله كان حسناً، ويجمر أكفانه بالبخور، وإن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منها، وإن ترك ذلك فلا حرج، ولا يسرح شعره، ولا يحلق عانته، ولا يختنه، لعدم الدليل على ذلك، والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها.
خامساً: تكفين الميت:
الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، كما فعل بالنبي ، يدرج فيها إدراجاً، وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس.
والمرأة تكفن في خمسة أثواب: درع، وخمار، وإزار، ولفافتين. ويكفن الصبي في ثوب واحد إلى ثلاثة أثواب، وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين.
والواجب في حق الجميع ثوب واحد يستر جميع الميت، لكن إذا كان الميت محرماً فإنه يغسل بماء وسدر، ويكفن في إزاره وردائه أو في غيرهما، ولا يغطى رأسه ولا وجهه، ولا يطيب، لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله ، وإن كان المحرم امرأة كفنت كغيره، ولكن لا تطيب، ولا يغطى وجهها بنقاب، ولا يداها بقفازين، ولكن يغطى وجهها ويداها بالكفن الذي كفنت فيه، كما تقدم بيان صفة تكفين المرأة.
سادساً: أحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه: وصيه في ذلك، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات في حق الرجل.
والأولى بغسل المرأة: وصيتها، ثم الأم، ثم الجدة، ثم الأقرب فالأقرب من نسائها، وللزوجين أن يغسل أحدهما الآخر، لأن الصديق غسلته زوجته، ولأن علياً غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها.
سابعاً: صفة الصلاة على الميت:
يكبر أربعاً، ويقرأ بعد الأولى: الفاتحة، وإن قرأ معها سورة قصيرة أو آية أو آيتين فحسن، للحديث الصحيح الوارد في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي كصلاته في التشهد، ثم يكبر الثالثة، ويقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذَكَرِنا وأنْثَانَا، اللهم من أحْيَيْتَهُ منا فأحْيِه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفّهُ على الإيمان، اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكْرِم نُزُلَه، وَوَسَّع مُدْخَلَه، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبْدِلْهُ داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه، اللهم لا تَحْرِمْنَا أجره ولا تُضِلَّنا بعده)، ثم يكبر الرابعة، ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه.
ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، وإذا كان الميت امرأة يقال: (اللهم اغفر لها... إلخ)، وإذا كانت الجنائز اثنتين يقال: (اللهم اغفر لهما...الخ)، وإن كانت الجنائز أكثر من ذلك قال: (اللهم اغفر لهم... الخ) أما إذا كان فرطاً فيقال بدل الدعاء له بالمغفرة: (اللهم اجعله فرطاً وذُخْرَاً لوالديه، وشفيعاً مُجَاباً، اللهم ثَقِّل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، وأجعله في كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وَقِهِ برحمتك عذاب الجحيم).
والسنة أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل، ووسط المرأة، وأن يكون الرجل مما يلي الإمام إذا اجتمعت الجنائز، والمرأة مما يلي القبلة، وإن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة، ثم المرأة، ثم الطفلة، ويكون رأس الصبي حيال رأس الرجل، ووسط المرأة حيال رأس الرجل، وهكذا الطفلة يكون رأسها حيال رأس المرأة، ويكون وسطها حيال رأس الرجل، ويكون المصلون جميعاً خلف الإمام، إلا أن يكون واحداً لم يجد مكاناً خلف الإمام فإنه يقف عن يمينه.
ثامناً: صفة دفن الميت:
المشروع تعميق القبر إلى وسط الرجل، وأن يكون فيه لحد من جهة القبلة، وأن يوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن، وتحل عقد الكفن، ولا تنزع بل تترك، ولا يكشف وجهه سواء كان الميت رجلاً أو امرأة، ثم ينصب عليه اللّبِن، ويطين حتى يثبت ويقيه التراب، فإن لم يتيسر اللَّبِن فبغير ذلك من ألواح، أو أحجار، أو خشب يقيه التراب، ثم يهال عليه التراب، ويستحب أن يقال عند ذلك: (باسم الله، وعلى ملة رسول الله)، ويرفع القبر قدر شبر، ويوضع عليه حصباء إن تيسر ذلك، ويرش بالماء.
ويشرع للمشيعين أن يقفوا عند القبر ويدعوا للميت، لأن النبي كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسْأَّل).
تاسعاً: ويشرع لمن لم يُصَلَّ عليه أن يصلي عليه بعد الدفن، لأن النبي فعل ذلك، على أن يكون ذلك في حدود شهر فأقل، فإن كانت المدة أكثر من ذلك لم تشرع الصلاة على القبر، لأنه لم ينقل عن النبي أنه صلى على قبر بعد شهر من دفن الميت.
عاشراً: لا يجوز لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً للناس، لقول جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل رضي الله عنه: { كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة } [رواه الإمام أحمد بسند حسن]، أما صنع الطعام لهم، أو لضيوفهم فلا بأس، ويشرع لأقاربه وجيرانه أن يصنعوا لهم الطعام، لأن النبي لما جاءه الخبر بموت جعفر بن أبي طالب في الشام أمر أهله أن يصنعوا طعاماً لأهل جعفر، وقال: { إنه أتاهم ما يشغلهم }.
ولا حرج على أهل الميت أن يدعوا جيرانهم، أو غيرهم للأكل من الطعام المُهْدَى إليهم، وليس لذلك وقت محدود فيما نعلم من الشرع.
حادي عشر: لا يجوز للمرأة الحداد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنه يجب عليها أن تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، إلا أن تكون حاملاً فإلى وضع الحمل، لثبوت السنة الصحيحة عن النبي بذلك.
أما الرجل فلا يجوز له أن يحد على أحد من الأقارب أو غيرهم.
ثاني عشر: يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت وآخر للدعاء لهم، والترحم عليهم، وتذكر الموت وما بعده، لقول ا لنبي : { زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة } [خرّجه الإمام مسلم في صحيحه]، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين).
أما النساء فليس لهن زيارة القبور، لأن الرسول لعن زائرات القبور، ولأنهن يخشى من زيارتهن الفتنة وقلة الصـــبر، وهكذا لايجوز لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة، لأن الرسول نهاهن عن ذلك، أما الصلاة على الميت في المسجد، أو في المصلى فهي مشروعة للرجال وللنساء جميعاً.
هذا آخر ما تيسر جمعه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.