حكم سب الصحابة رضي الله عنهم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أن ما يجب اعتقاده معرفة حق ومكانة الصحابة وأن حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ناسب أن نتكلم هنا عن حكم سبهم والطعن فيهم بغمز او لمز
فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه" [رواه البخاري في صحيحه]
ومعنى ذلك أن سبهم محرم لما يقتضيه النهي مهما كانت المبررات حتى وإن نفقة الصحابي
ولو كانت قليلة كالمُدّ فإنها عند الله أعظم من نفقة من بعدهم ولو كانت مثل أُحدـ وهو الجبل العظيم ـ وذلك لمكانتهم
عند الله تعالى.
وأرجو من القارئ الكريم أن يلاحظ أن هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة ممن
تأخر إسلامه مع ما له من الفضل على الإسلام والمسلمين وهو خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف من سيوف
الله وذلك أنه لم يبلغ مرتبة من سبقه فكيف بمن جاء بعدهم وهو أقل منهم منزلة ودرجة فسبهم تكذيب لقول الله
تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه) وتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم
الذي بشرهم بالجنة بما اطلعه الله تعالى عليه من الوحي إليه.
وهو كذلك طعن في اصل الشريعة التي جاءت عن طريقهم وعلى رأسها القرآن الكريم حيث إن الأمة لم تعلم دين الله الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريقهم ونقلهم.
اما أقوال العلماء في حكم سبهم وتنقصهم :
فمن ذلك ما قاله الحجاوي رحمه الله تعالى في الإقناع (4/189) ومن سب الصحابة أو واحدا منهم.... فلا شك في كفر
هذا بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه كفر بلا خلاف. أ هـ
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/498): وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة وهو رواية عن
مالك رحمه الله وقال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى ما أظن أحدا يبغض ابا بكر وعمر وهو يحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم. رواه الترمذي. أ.هـ.
وقال الحصني الدمشقي في كتابه دفع شبه من شبه وتمرد (30) ونبه مالك على أنهم من سلالة المنافقين وقال أرادوا
أن يقدحوا في النبي بشيء فلم يجدوا مساغا فقدحوا في الصحابة لأن القدح في الرجل قدح في صاحبه وخليطه
وهؤلاء كفار لاستحلالهم سب افضل الخلق بعد الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام. أ هـ
وسئل احمد بن علي الغزنوي عمن يسب الصحابة فقال: كافر (لسان الميزان 1/232) وقال القاضي أبو يعلى: الذي عليه
الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلا لذلك كفر (الصارم المسلول 570) وقال النووي في شرح مسلم (1/63): وأعلم
أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك
الحروب متأولون أما عقوبة ذلك فقوله صلى الله عليه وسلم "لعن الله من سب أصحابي" رواه الطبراني. أ هـ
وقال الشيخ العلامة محمد العثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح الوسطية (1/253): فإن سبهم على العموم ـ أي الصحابة ـ كان
كافرا بل لا شك في كفر من شك في كفره. أ هـ
ووجه تكفير من سب الصحابة أنه مكذب لخبر الله تعالى عنهم بالرضا والتوبة والمحبة والوعد الصادق لهم بالعقبى
الحسنة وهو كذلك مكذب لتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم وبشارتهم بالجنة وطعن في حكمة الله تعالى حيث لم
يجعل لرسوله صلى الله عليه وسلم من الأصحاب إلا من هو محل للسب والطعن والقذف سبحانك هذا بهتان عظيم، كما أنه
متعد لحدود الله تعالى بالسب والتعدي عليهم.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يرضى عنا كما رضي عنهم وجعلنا ممن قال فيهم سبحانه (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم) (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك
رؤوف رحيم.)
[/size]