الغوص
نشاط بحري يظل فيه السباحون تحت الماء لمدة تصل إلى عدة دقائق حسب سعة رئتهم أو باستخدام كمامة غوص وأنبوب تنفس تحت الماء وزعانف. ويعتبر الغوص امتدادا لرياضة السباحة باستخدام أنبوب التنفس وفيها يتحرك السباحون في المياه الضحلة باستخدام هذا الأنبوب حيث يشاهدون البيئة تحت الماء من الأعماق.
وينبغي على الغواص أن يتعلم على يد معلمين محترفين كيفية الغوص واستخدام أنبوب التنفس أثناء الغوص. وتمكن آلة حبس النفس الغواص من التحرك بحرية في أعماق تصل إلى عشرة أمتار وأكثر بدون الحاجة إلى آلة تنفس خاصة تكون بمثابة عائق إضافي يتحمله الغواص. ويستطيع معظم الغواصين الذين يستخدمون آلة حبس النفس البقاء تحت الماء لمدة قصيرة نسبيا تبلغ عادة أقل من دقيقتين. ومع هذا، فقد تمكن الغواصون المتمكنون من البقاء تحت الماء لمدة تصل إلى عدة دقائق في المرة الواحدة.
نبذة تاريخية
عرف الغوص منذ العصور القديمة كمهنة من أجل جمع اللؤلؤ والإسفنج بدون استخدام الأدوات الميكانيكية المساعدة. ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد تقريبا تم تجريب عدة وسائل لتزويد الغواص بالهواء ومن ثم تطول مدة بقائه تحت الماء. ويقال إن الإسكندر الأكبر قد نزل تحت الماء في آلة بدائية تشبه غرفة الغوص الحديثة، كما ذكر أرسطو بعض الآلات التي تمكن الغواصين من التنفس تحت الماء، لكن لم يتم التوصل إلى أية أجهزة عملية إلا بحلول القرن الثامن عشر.
وفي العصور الإسلامية مثلت هذه المهنة مصدر دخل أساسي للتجار عبر الخطوط البحرية، ولا سيما الهند والصين. وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، أشار العلماء المسلمون إلى أوقات الغوص وطرقه فيقول البيروني في كتابه الجماهر : "أن فصل الغوص من أول نيسان إلى آخر أيلول، والشمس تقطع في هذه المادة من نصف الحمل إلى نصف الميزان ". ويقول "إن مدة الغوص شهران في صميم الحر وحماوة القيظ ثم يتردد ويتكدر في باقيهما". ويضيف البيروني: "أن الغائص إذا أراد الغوص انتظر الظهيرة وتكبد الشمس السماء ليضيء البحر ويظهر له ما فيه، ثم يجيل البصر حتى يقع على المحار الكبير كأنه حجر مسطح ويراه فوق الما ء أعظم من مقداره ويشبه ذلك بحبة العنب الصغيرة التي ترى في الماء كالإجاصة بسبب انكسار وانعكاس الضوء عند مروره في وسطين مختلفين الماء والهواء".
ثم يشرح البيروني طرق الغوص بعد أن يجهز الغواص نفسه فيذكر: "أن من أراد تعلم الغوص يقوم بحشو أذنيه حشوا محكما حتى تتعفن وتتندد وينفتح له إلى الحلق طريق يتنفس تنفسا ضعيفا داخل الماء". ويعقب البيروني: "ثم يركب الغواص خشبة معقفة من خشب الدوم - أي النبق - وقد شد في أحد طرفيه بحبل فيه حجر أسود يزن خمسة وعشرين منا إلى ثلاثين منا ثم يحرك الغواص مركبه هذا بما يشبه المجداف إلى أن يحاذي الصدف الذي رأى ثم ينبح ويعوي ويصيح لتتفرق الحيوانات المؤذية من حول الصدف وتهرب ويحشو منخريه بقطعتي عاج أو خشب السرو فإنه لا ينفتح في الماء ويتزر بفوطة ويعمل في عنقه مخلاة من قنب على نسج الشباك ليجعل فيه ما جناه من الأصداف ثم يضع رجليه على الحجر ويتعلق بالرسن فيتعاونا على الرسوب وعلى هذا الرسن يصعد أيضا ثم يمنح الحجر إلى البقيرة ويذهب إلى الساحل.
ويستطرد البيروني فيقول: "إن اختيار الغواص لحجر أسود اللون دون لون آخر لوجود حيوان في البحر يخافه الغاصة فإنه إذا مر بهم قطعهم فمتى كان الحجر أسود هرب هذا الحيوان منه، أما إذا كان الحجر ذا لون آخر ظنه الحيوان فريسة فيقصده فإذا رآه الغواص ترك الحجر وأسرع في الصعود إلى وجه الماء ناجيا بنفسه ويسبح إلى الساحل ويصيح صيحة واحدة عالية لمكوثه في البحر معدوم التنفس".
ولقد أصبح الغوص في الآونة الأخيرة رياضة يتجه الناس إليها بصورة متزايدة لقضاء أوقات الفراغ. وتتيح هذه الرياضة بالإضافة للنشاط العضلي الذي يقوم به الغائص فرصة للتمتع بقيعان البحار التي تكثر فيها الشعاب المرجانية والأسماك الملونة.
آلات الغوص الحديثة
تطورت آلات الغوص بشكل كبير فأصبح هناك كمامة وجه مقاومة للماء وأنبوب تنفس وزعانف للأقدام بالنسبة للغوص على مسافات قريبة من سطح الماء. وتغطي كمامة الوجه العينين والأنف وتوجد بها مسافة شفافة مانعة للماء أمام العينين بحيث تتمكن من الرؤية الواضحة تحت الماء. أما أنبوب التنفس فهو أن بوب مجوف ينتهي بجزء يوضع في الفم. وإذا وضع الطرف المفتوح فوق سطح الماء، يمكن للغائص أن يتنفس أثناء السباحة ومن ثم يدرس المناظر الطبيعية تحت الماء لفترات زمنية أطول. ويبلغ طول أنبوب التنفس حوالي 38 سم فقط لأنه لا يمكن سحب الهواء عن طريق التنفس من السطح حتى أعماق كبيرة. ويمكن للغائصين المزودين بأنبوب تنفس الغوص بحرية طالما أنه يمكنهم حبس أنفاسهم. أما الزعانف فهي تتيح للغائص السباحة تحت الماء بكفاءة أعلى لما توفره من قدرة أكبر في تحريك الماء.
أما بالنسبة للغوص لأعماق كبيرة، فقد أصبح هناك آلة طفو شخصية وسترة. كما أن هناك حزام للتغلب على مشكلة الطفو وتسهيل النزول تحت سطح البحر.
الغوص في الماء لأغراض مثل العمل أو الاستكشاف في عام 1129هـ / 1717 م، اخترع عالم الفلك البريطاني إيدموند هالي أول غرفة غوص عملية، وهي عبارة عن غرفة خشبية مفتوحة القاع ذات نوافذ زجاجية في أعلاها لكي تسمح بمرور الضوء. وقد كان الأشخاص داخل الغرفة يحصلون على الهواء عن طريق أنابيب جلدية موصلة ببراميل هواء يمكن إنزالها إلى الماء إذا دعت الحاجة لذلك. وإذا دخل الماء هذه البراميل، يدفع الهواء الموجود داخلها عبر الأنابيب إلى الجزء العلوي من غرفة الغوص التي تظل خالية من الماء بفعل ضغط الهواء. وهناك نموذج حديث لهذه الآلة مصنوع من الصلب ومزود بهواء مضغوط يضخ عبر خرطوم وهي تستخدم في أعمال تتم تحت الماء مثل بناء الكباري ودعامات الجسور والحواجز المائية.
ومنذ القرن السابع عشر، بذلت محاولات لتصميم خوذة أو سترة لكي تمنح الغائصين أقصى قدر ممكن من الحماية وحرية الحركة. وقد توصل المخترع البريطاني-الألماني أوجستس سياب إلى أول نوع ناجح من مثل هذه الآلات عام 1819م. وتعتمد هذه الآلة على فكرة غرفة الغوص حيث تتكون من جاكيت جلدي مزود بخوذة معدنية يضخ الهواء فيها عن طريق خرطوم مرن. ولم تكن الخوذة مانعة للماء ولكن ضغط الهواء جعل الماء تحت ذقن الغائص.
أما سترة الغوص المغلقة الحديثة والتي تشبه تلك التي اخترعها سياب عام 1830م فهي تتكون من قماش معالج بالمطاط، وهي تغطي الغائص تماما كما أنها محكمة السد. وتتيح الصمامات الموجودة على الخوذة للغائص أن ينظم ضغط الهواء داخل السترة ومن ثم يمكنه التحكم في الطفو. وهناك معدات مساعدة لسترة الغوص الحديثة مثل الأحذية الثقيلة التي تجعل الغائص في وضع عمودي وكذا الألواح الرصاصية التي توضع على الظهر والصدر كي تكون مصدر ثقل. كما يوجد حبل يحتوي على أسلاك كهربائية يوصل الغائص بالسطح ويتيح له التخاطب مع الآخرين.
أما عند الغوص لأعماق بعيدة، فتستخدم سترات معدنية ثقيلة بما فيه الكفاية بحيث تتحمل ضغط المياه العالي. وفي هذه السترات، يمكن الاحتفاظ بضغط الهواء عند درجته الطبيعية المعتادة، كما يتعرض الغائص لضغط أقل مما يعانيه عندما يغوص في مياه أضحل باستخدام سترة عادية.
ولتفادي مشكلات الأطوال غير العملية لخرطوم الهواء وحبل السلامة الذين يجب على الغائصين أن يسحبوهما معهم. فقد تم التوصل لحل هذه المشكلة بالتوصل إلى سترات غوص ذات مورد هواء يتكون من أسطوانة ضغط تحتوي على خليط من الأكسجين والهواء وغرفة تجديد الهواء مملوءة بالصودا الكاوية، حيث يمر الهواء الذي أخرجه الغائص عبر هذه الغرفة بحيث يتم التخلص من ثاني أكسيد الكربون ثم يتحد الهواء مع الأكسجين والهواء الموجود في الأسطوانة ثم يعيد الغائص استنشاقه. ويستمر الهواء الموجود في مثل هذه الوحدات لمدة تصل من 45 دقيقة إلى ساعتين.
كما تم اختراع جهاز التنفس الذاتي تحت الماء وهو جهاز مستقل عن سترة الغوص. وهو يختلف عن سترة الغوص التقليدية من حيث إنه مصمم للسباحة أما النوع الآخر الأكثر إرهاقا فهو مناسب للمشي على أسطح المحيطات فقط. وقد استخدمت فرق التدمير البحرية أحد هذه الأجهزة أثناء الحرب العالمية الثانية في إزالة الألغام والعوائق الأخرى قبل الرسو البرمائي للمعدات العسكرية، وقد كانت هذه الأجهزة عبارة عن كمامة تنفس خفيفة الوزن تعمل بنفس فكرة سترات الغوص الذاتية. وفي الوقت الحالي، فإن أكثر الأنواع شيوعا من هذه الأجهزة هو جهاز التنفس تحت الماء الذي صممه الضابط البحري الفرنسي إيفيس كوستوفي أثناء الحرب العالمية الثانية، ويتكون هذا الجهاز من أسطوانة أو اثنتين أو ثلاثة أسطوانات من الهواء المضغوط موصلة بفم الغائص عن طريق صمامات تضمن التدفق الدائم عند درجة ضغط تتعادل تلقائيا مع الضغط الخارجي للماء.
كما أصبح الغائصون يستخدمون المطارق وآلات الثقب ومفاتيح الربط والآلات التي تعمل بالهواء المضغوط بدلا من الآلات ا ليدوية البسيطة. وتتم أعمال القطع واللحام باستخدام مشاعل قياسية. كذلك تم الاستعانة بضوء صناعي يمكن للغائصين أن يعملوا به في أعماق بعيدة تحت سطح الماء