بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف كان النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتوضأ؟
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله[·]
• قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَن توضأ نَحوَ وضوئي هذا، ثم صَلَّى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسَه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)[1]، وإليكم الآن تلخيص صفة وضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مُرَتّبَة، بأسلوب بسيط، مع ذِكر بعض الملاحظات الهامّة:
1- يَنوي الوضوءَ (بقلبه)، ثم يبدأ بالسِّواك، وقد قالَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم- في فضل السواك-: (السواكُ مَطهَرَة للفم، مَرضَاة للرَب) [2]، واعلم أنَّ استخدامُ فرشاة الأسنان قبل الوضوء يُعتبَر تسوُّكًا.
2- التسمِيَة عند البَدْء بالوضوء وذلك بأنْ يقول: "بسم الله".
3- غَسْل الكَفَّيْن (ثلاث مرات)، على أنْ يبدأ بكَفِّهِ الأيمَن قبل الأيسَر، ويُلاحَظ أنه لا يَزيد في غَسل الأعضاء عن ثلاث مرات؛ لأنَّه أكثر ما وردَتْ به الرِّوايات في صِفَة وضوء النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنْ يُلاحَظ أنه يَجُوز لمن احتاجَ أنْ يغسل أنفه فوق الثلاث مرات (لِرَشحٍ أو غير ذلك) أنْ يزيد على الثلاث، وذلك لعموم قوْل النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وبالِغ في الاستنشاق إلا أنْ تكونَ صائماً)[3]، أما إذا كان على وجهه أو يَدَيْهِ تراب (مثلاً) فالأفضل أنْ يغسل وجهه أو يَدَيْهِ من التراب أولاً قبل أنْ يتوضأ، ثم بعد ذلك يتوضأ، وذلك حتى لا يزيد على الثلاث أثناء وضوئه فيُخالف السُنَّة.
• واعلمْ أنه يَجُوز أنْ يتوضَّأ مَرَّة مَرَّة (يعني يَغسِل كل عُضو مرة واحدة فقط)، ومَرتَيْن مرتين (يعني يَغسِل كل عُضو مرتين) (باستثناء الأذن والرأس فيتم مسحهما مرة واحدة في جميع الحالات على الأرجَح)، فقد توضَّأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَرَّة مَرَّة وتوضأ مرَّتَين مرتين.
• واعلمْ أيضاً أنه يُستحَبّ تدليك الأعضاء أثناء الوضوء، وكذلك يستحب التخليل بين الأصابع، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن توضأ فأحسنَ الوضوء خرجَتْ خطاياهُ مِن جَسَدِهِ حتى تخرجَ مِن تحت أظفاره))[4]، ولذلك ينبغي للعبد أنْ يستشعر- وهو يتوضأ- أنه نادِمٌ على ما فعَلَتْهُ هذه الأعضاء في حق الله تعالى- حتى تَخرُجَ ذنوبُهُ مِن جَسَدِه حتى يَطْهُرَ قلبُه.
4- المضمضة والاستنشاق (ثلاث مَرَّات بثلاث غَرَفات) في كلِّ غَرْفة يتمضمض ويستنشق (على الأصَحّ)، (ويَجُوز أنْ يتمضمض ثلاث مرات، ثم يستنشق ثلاث مرات)، واعلم أنَّ معنى المضمضة: أنْ يَجْعل الماء في فَمِه، ثم يُدِيره فيه، ثم يَمُجُّه، وأما الاستنشاق فهو: جَذْب الماء في الأَنْف، فإذا أخرجه بعد ذلك فإنه يُسَمَّي استنثارًا.
5- غَسْل الوجه (ثلاث مرات)، وَاعلم أنَّ حُدود الوَجه هي: ما بين مَنْبَت الشَّعر المعتاد إلى مُنتهَى الذَّقن (طُولاً)، وما بين شحْمَتَيِ الأذُن (عَرْضًا)، ويدخل في ذلك ظاهِرُ اللِّحية الكثيفة (وهي التي لا يظهر الجلد من تحتها)، وأمَّا اللِّحية الخفيفة (التي يظهر الجلد من تحتها)، فإنَّه يجب غسلها حتى يصل الماء إلى الجِلْد من تحتها (ويُلاحَظ أنه يُستَحَبُّ غسل شيئ مِن مقدمة الرأس مع الوجه حتى يأتي هذا الجُزء يوم القيامة وعليه نُور)، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- حينما سأله أصحابه: (كيف تعرف مَن لم يأتِ بَعدُ مِن أُمَّتِك يا رسول الله؟)- قال: (يأتونَ غُرًّا مُحَجَّلين مِن الوضوء)[5].
6- غسْل اليدَيْن بدءًا من رؤوس الأصابع إلى المرفقين (ثلاث مرات) على أنْ يبدأ بيده اليُمنَى قبل اليُسرَى، (واعلم أنَّ المِرفق هو المِفصَل الذي بين العَضُد والسَاعِد) (وهو الذي يُعرَف عندَ كثير من الناس بـ النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّمالكُوع)، وهذا خطأ، والصواب أن اسمه: (المِرْفق)، (واعلم أيضاً أنه يُستَحَبُّ غَسل شيئ مِمَّا فوق المِرفقيْن حتى يأتي هذا الجُزء يوم القيامة وعليه نُور).
7- مَسْح الرأس (مرة واحدة فقط) وهذا هو الراجح من أقوال العلماء، ويُلاحَظ أنه يَجُوز مَسْح جَميع الرأس، كما يَجُوز مَسْح بعضها فقط، والأرجح ألاّ يقتصر على مَسْح بعض الرأس إلاَّ إنْ كان سَيُكمِل المَسْح على العِِمامة، واعلم أنَّ طريقة المسح الثابتة عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يضع يَدَيْهِ عند مُقدِّمة رأسه، ثُمَّ يَرجع بِهما إلى قفاه، ثُم يَرُدُّهُما مِن حَيثُ بَدأ، واعلم أيضاً أنه يجوز له أنْ يمرر يَدَيْهِ في نفس اتجاه الشعر.
8- مَسْح الأذنَيْن من الداخل والخارج مرَّة واحدة (فمن الداخل بالسَبّابتيْن، ومن الخارج بالإبهامَيْن) (ويُلاحَظ أنه لا يُشترَط لِمَسحِ الأذنَيْن ماءٌ جديد، بل يَكفي مَسْحُهما بنفس الماء الذي مَسحَ به الرأس).
9- غسْل رِجلَيْه إلى الكَعبيْن (ثلاث مرات) على أنْ يبدأ برجله اليُمنَى، وقد ثبَتَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الأَمْرُ بغَسْلِ الرِّجلَيْن، بل إنَّه عنَّف الذين اكتَفَوا بالمَسح عليهما؛ فقال لهم: ((ويْلٌ للأعقاب من النار))[6]، والأعقاب: جَمْع عَقِب، (والعقب هو مُؤخَّر القدم، وهو الذي يُعرَف عند كثير من الناس بـ (الكعب) وهذا خطأ، والصواب أنَّ الكعبان هما العظمتان البارزتان على جانِبَي الرِّجل عند التقاء كَف القدم بالساق)، (ويُلاحَظ أنه يُستَحَبُّ غَسل شيئ مِمَّا فوق الكعبيْن حتى يأتي هذا الجُزء يوم القيامة وعليه نُور).
10- يقول بعد فراغه من الوضوء: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله اللَّهم اجعلْنِي من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين"، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما منكم من أحدٍ يتوضَّأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله- زاد التِرمِذِي في روايةٍ: ((اللَّهم اجعلْنِي من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين)-، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية، يَدْخلُ من أيِّها شاء))[7].
• وكذلك يقول: (سبحانك اللَّهم وَبِِحَمْدِك، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك). فقد قال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ توضَّأ فقال: سبحانك اللَّهم وَبِِحَمْدِك، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك، كُتِب له في رَقّ- (يعني في صحيفة)-، ثم جُعِلَ في طابع، فلم يُكْسَر إلى يوم القيامة)[8].
ملاحظات هامَّة جداً على الوضوء:
1- يَجُوز الكلام أثناء الوضوء؛ إذ لا دليل يَمْنع من ذلك.
2- ليس هناك أذكارٌ تُقال أثناء الوضوء، والحديث الذي وَرَدَ في ذلك ضعيفٌ لا يَصِحُّ.
3- إذا قصَّ أظفاره أو حلَق شعره بعد الوضوء، فإنه لا يلزمه غسل ما ظَهَر من الأظفار بعد تقليمها، وكذلك الشعر.
4- ليس هناك دليلٌ على وضع أُصْبعِه في فمه عند المضمضة، وإنَّما يَكفِي تحريك الماء بِحَركة الفم، ثم مَجِّه.
5- لو كان شعره كثيفًا ومَسَحَ عليه، ولم يَصِل إلى بشرته (يعني لم يصل الماء إلى جلد الرأس)، فالوضوء صحيح ولا يضرُّ ذلك، لكنه لا يَمْسح على المُستَرْسَل منه فقط، بل لا بدَّ أنْ يَمسح ما فوق الرأس.
6- يَجُوز أنْ يلبس العمامة متعمِّدًا عند الوضوء من أَجْل المسح عليها، ويُلاحَظ أنه لا يُشترَط في المَسْح عليها أنْ تكون لُبِسَت على طهارة، وكذلك لا يُقيَّد المَسح عليها بوقت كما هو الحال بالنِّسبة للمَسح على الخُفَّيْن، ويُلاحَظ أيضاً أنه يَجُوز للمرأة أنْ تَمسح على الخمار.
7- إذا كان على أعضاء الوضوء مادة عازلة تَمْنع وُصول الماء إلى البشرة كالشمع والدهانات والجمالَكّا- (وهو دِهَان يُدهَن به الخشب)- والمونيكير وغير ذلك، فالواجب إزالة هذه المواد، وإلاَّ فالوضوء غير صحيح.
8- أمَّا إذا كانت هناك أصباغ كالحِنّاء وصبغة اليُود- (مثل الميكروكروم) - ونحو ذلك مما ليس له كثافة، ولكنه يصبغ الجلد فقط، فهذا لا يؤثِّر في صِحَّة الوضوء (لأنها ليست مواد عازلة).
9- اعلم أنَّه لا يُشرَع في الوضوء مَسْحُ الرَّقبة، بل مَسحُها يُعَدُّ بدعة.
10- يَجُوز الوضوء في الحمَّام، وله أنْ يُسمِّي سرًّا.
11- إذا كان مقطوع اليدَيْن، فإنْ وجد مَن يُوضِّئه ولو بالأجرة فبِها، وإنْ لم يجد مَن يُوضِّئه.. سقطَ عنه الوضوء وصلَّى على حالِهِ ولا إعادة عليه.
12- إذا نسي عُضوًا أثناء الوضوء: فإنْ تذكَّر قبل أنْ يَطول الفصل- (يعني قبل أنْ يجف العضو الذي يسبق هذا العُضو المَنسِي) – فإنه يعود إلى العُضو المَنسِي ويغَسله، ثُم يتَمَّ بقيَّة أعضائه على الترتيب، أما إنُ طال الفَصْل (وذلك بأنْ يجف العضو الذي يسبق هذا العُضو المَنسِي) أعادَ الوضوء من أوَّلِه؛ لأنه بذلك يكون فقدَ المُوَالاة.
13- إذا صلَّى مُحْدِثًا بغير وضوء لا تصحُّ صلاتُه، سواء كان عالمًا بِحَدَثِه أو جاهلاً أو ناسيًا، إلاَّ أن الناسي والجاهل لا يأْثَمان، وعليهما الإعادة، وأما المتعمد فقد ارتكَب معصية عظيمة، فعليه التوبة والنَّدم، وعليه الإعادة.
14- لا يَلزَم خلع الأسنان المُركَّبَة عند المضمضة؛ لِما في ذلك من المَشقَّة، وأما تَحْريك الخاتم في الأصبع فمحَلُّ خلاف بين العلماء، والحديث الوارد بأن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُحرِّك خاتَمَه حديث ضعيف.
15- الصحيح أن لَمْس المرأة لا يَنقُضُ الوضوء، سواء كانت من ذوات المَحارم، أو أجنبيَّة، ولكنْ هناكَ تنبيهٌ هامٌّ وهو أن القوْل بعدم نَقْضِ الوضوء مِن لَمْسِ المرأة، لا يَعْنِي جَوازَ مُصافحة الرَّجُل للمرأة الأجنبيَّة، فمصافَحتُها حرام؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لأَنْ يُطعَنَ في رأس أحَدِكم بِمِخيَطٍ مِن حديد خيرٌ له مِن أنْ يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له)) (انظر السلسلة الصحيحة حديث رقم: (226).
16- إذا خرَجَ البَول أو الغائط مِن غير (القبُل والدّبُر) (مثل ما يعرف بالقسطرة التي توضع للمريض)، وَجَبَ فيهما الوضوء على الرَّاجح.
17- الدَّم لا يَنقُضُ الوضوء، سواء كان قليلاً أم كثيرًا، وكذلك القيْء لا يَنقُض الوضوء.
18- القهقهة لا توجب الوضوء، سواء كانت القهقهة في الصَّلاة، أو خارجها- علمًا بأنَّها تُبْطِل الصلاة- والقهقهة مذمومة، وهي في الصلاة أشدُّ وأقبح؛ لِما في ذلك من سوء الأدب، وعدم التعظيم لشعائر الله.
19- إذا شكَّ أو خُيِّل إليه أنه خرَجَ منه شيءٌ- بِمَعنى أنه شكَّ هل أَحْدَثَ، أمْ لا؟- فلا يَضرُّه ذلك، ولا يُنتقَضُ وضوءه إلاَّ إذا تَيَقنَ أنه أحْدَث كأنْ يَسمعَ صَوتًا، أو يشم ريحًا.
20- إذا تَيَقنَ أنه توضأ، ثم شكَّ هل أحْدَثَ أم لا؟ بنَى على أنَّه متطهِّر ولا يلزمه الوضوء، أما إذا تَيَقنَ أنه أحْدَثَ، ثم شكَّ هل توضأ أم لا؟ فهو مُحْدِث ويلزمه الوضوء (يعني يبني في الحالتَيْن على ما تَيَقنَ عنده).
21- إذا أكل أو شرب فلا يجب عليه الوضوء، وإنَّما يَكْفيه أنْ يتمضمض إذا كان الطَّعام دَسِمًا، وذلك على سبيل الاستحباب، بحيث إنه إذا لم يتمضمض فالصلاة صحيحة.
22- لَمْس فرج الصَّغير لا يَنقُضُ الوضوء - على الراجح - وعلى هذا فإنَّ مَن يقومون بتنظيف الأطفال، وَمَسُّوا فروجَهم فإنَّ وضوءهم لا يُنتقَضُ.
23- اعلم أنَّ سقوط النَّجاسة على بدن الإنسان لا يَنقُضُ الوضوء، وإنَّما عليه فقط أنْ يُزيل هذه النجاسة، وهو على حاله إنْ كان متوضِّئًا.