جمعة طرابلس الحزينة: تفجيران للفتنة
دخل يوم أمس قائمة الأيام السوداء في تاريخ طرابلس ولبنان، وزرع الرعب في نفوس المواطنين بشكل لم يعهدوه، وجعل عاصمة الشمال مدينة مفتوحة على كل الاحتمالات الصعبة. كان واضحاً ان الهدف من الانفجارين الإرهابيين اللذين وقعا أمام مسجدي التقوى والسلام في طرابلس اسقاط أكبر عدد من القتلى والجرحى، وشحن المواطنين طائفياً ومذهبياً.
وبدا من اختيار المكانين أن الفاعل محترف، ويعرف تفاصيل المدينة جيداً. فمسجد التقوى يقع عند المدخل الشمالي للمدينة، ويعبر قربه القادمون من مناطق المنية والضنية وعكار وسوريا، ويلاصق منطقة باب التبانة ذات الكثافة السكانية الأكبر في طرابلس، إضافة إلى قربه من مستديرة الملولة وبولفار نهر أبو علي اللذين تنتشر في محيطهما بسطات بيع الخضر والفواكه على نحو كثيف ومتلاصق. أما مسجد السلام فيقع عند المدخل الجنوبي للمدينة، ويعبره القادمون والذاهبون باتجاه بيروت، وقد شهدت النقطة المحيطة بالمسجد، الملاصق أيضا لسنترال الميناء، ازدحاماً كبيراً في الآونة الأخيرة، نتيجة تحويل السير إليها بسبب تنفيذ مشروع الأوتوستراد العربي الذي يصل المدخل الجنوبي للمدينة بشمالها، من غير المرور بوسطها.
إضافة إلى ذلك فإن للمسجدين دلالات ورمزية دينية وأمنية، فجامع التقوى يخطب فيه رئيس هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ سالم الرافعي، وهو من أبرز مشايخ التيار السلفي في طرابلس، كما أن جامع السلام لا يفصله سوى شارع عن منزل المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ويخطب فيه شيخ قراء طرابلس بلال بارودي المقرب من ريفي. وهذا الأمر زاد منسوب الرعب في طرابلس خشية ان يكون المستهدفون هم الرافعي وريفي وبارودي، لأن ذلك، في حال حصوله، ستكون له ردود فعل عنيفة.
لكن توقيت وقوع الانفجارين جعل فرضية قتل أكبر عدد من المواطنين وإحداث تدمير في المكانين هي الأرجح. فقد وقع الانفجاران في وقت كان المصلون في جامعي التقوى والسلام لا يزالون داخلهما يؤدّون صلاة الجمعة، مع فارق في التوقيت بين الانفجارين لم يتجاوز عشر دقائق، كما أن إطالة الرافعي وبارودي خطبتيهما حالت دون خروج المصلين أثناء وقوع الانفجارين، وإلا لكان عدد الشهداء والجرحى أضعاف ما سقط. علماً أن المسجدين، كما غالبية مساجد طرابلس، أحيطا بإجراءات أمنية مشددة بعد انفجار الرويس في الضاحية الجنوبية، ومنع وقوف السيارات في محيطهما.
في جامع التقوى، وفور وقوع الانفجار حصل هرج ومرج بين المصلين الذين أصابهم الهلع فخرجوا من أبواب المسجد على غير هدى، فيما كانت جثث الضحايا والجرحى بالعشرات عند مدخل المسجد وفي باحته الخارجية التي افترشها المصلون لأداء الصلاة في الهواء الطلق. كما كانت النيران تشتعل بعشرات السيارات في محيط المسجد، وسط دخان أسود كثيف غطى سماء المنطقة. وتسبب الانفجار في تكسير زجاج السيارات والمحال والتجارية ونوافذ المنازل في قطر مساحته قرابة 500 متر.
وبعد أقل من 10 دقائق على انفجار مسجد التقوى، وفيما كانت أشلاء الشهداء والجرحى تنقل من محيطه إلى المستشفيات، وقع انفجار ثان أمام مسجد السلام الذي تطايرت شظاياه أكثر من 150 متراً وهزّ أرجاء المدينة، ما أدى الى بث الذعر في أرجاء المدينة، فتراكض المواطنون في الشوارع، وكان بعضهم يصرخ أو يبكي خوفاً، فيما شهدت مداخل طرابلس ازدحاماً خانقاً لنازحين من المدينة، بعد إشاعات عن احتمال وقوع انفجار ثالث فيها.
المشاهد المشتركة بين الانفجارين كانت عديدة، أبرزها سقوط عدد كبير من الضحايا نتيجة ضخامة الانفجارين بلغ نحو 50 شهيداً وأكثر من 500 جريح، وإنْ كان الأمر في مسجد السلام أكبر نظراً لوجود كثافة في الأبنية السكنية والمحال التجارية والمقاهي في محيطه، فضلاً عن احتراق مئات السيارات والمحال التجارية والبيوت في محيطهما.
لكن أبرز المشاهد بين المكانين، تعرّض بعض الشبّان لعناصر الجيش الذين وصلوا إلى الموقعين فوراً، ورشقهم بالحجارة، على وقع هتافات منددة بالجيش وتدعو إلى إعلان الجهاد والانتقام من المجرمين، وترافق ذلك مع انتشار مسلح شهدته معظم مناطق طرابلس، وأقيمت حواجز تفتش العابرين وتدقق في هوياتهم. كما وقعت اشتباكات متقطعة واستنفار مسلح في منطقة الأسواق وفي محيط محور باب التبانة ـ جبل محسن وجواره.
وسط هذه الأجواء ارتفعت أصوات دعت إلى التهدئة وعدم القيام بأي رد فعل غير محسوب النتائج، من دون أن يحجب ذلك دعوات الى التصعيد حملت في مضامينها انتقادات لحزب الله تحديداً، حمّلته مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن التوتير الأمني في لبنان نتيجة تدخله العسكري في سوريا. على هذا الأساس كان يعم الخوف طرابلس، في الايام الأخيرة، من حصول انفجار أمني كبير فيها، سواءٌ في تجدّد الاشتباكات على محور باب التبانة ـ جبل محسن، أو في انفجار سيارة أو عبوة ناسفة لا تقل حجماً وضرراً عن انفجار الرويس.