كانت السياحة أحد أهم مصادرالدخل لخزينة الدولة المصرية عندما اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، ليواجه هذا القطاع فترة عصيبة، نتيجة تدهورالحالة الأمنية منذ ذلك الحين. وبينما يحاول هذا القطاع الآن الانتعاش، سواء بمبادرات حكومية أو فردية، يبدو أن الهاجس الأمني يقف عائقًا أمام نجاح تلك الجهود.
ونتيجة هذه التخوفات الأمنية تم، على سبيل المثال، إلقاء القبض على رئيس تحرير صحيفة "لوموند ديبولماتيك" في مقهى، بعد إبلاغ إحدى المواطنات الشرطة بإن الرجل تحدث في السياسة، واعتبرت أنه يتآمر على مصر. وتكررت مثل هذه الحوادث في مترو الأنفاق، حين أبلغ مواطن عن شقيقين بريطانيين، قال إنهما تحدثا عن مخططات لتفجير المترو والقيام بعمليات آخرى في الـ25 من يناير القادم. وقد حجزهما الأمن وحقق معهما، ثم أطلق سراحهما. وأوضح بيان أمني أن بلاغ المواطن لا يمت للحقيقة بصلة. مثل هذه المواقف تدعو إلى التساؤل عن مدى تأثير الهوس الأمني لدى بعض المواطنين على حركة السياحة، وعن كيفية تعامل جهاز الأمن مع بلاغات من هذا القبيل، حتى لايتضرر قطاع السياحة والأمن القومي أيضا؟
[size][url][/url]
[/size]
تخوفات أمنية - سائحات إسبانيات برفقة مواطن مصري
"وصلنا لمرحلة من الهوس الأمني"
"ما قام به المواطنون من إبلاغ هو أمرصحيح. ولكن كيف لهم أن يعرفوا ما إذا كان هؤلاء الأجانب جواسيس أو عملاء أو غير ذلك دون تحقيق الأمن معهم؟". المتحدث هو العامل محمد رجب الذي لايرفض في حديثه مع DWعربية، ضرورة قيام المواطن بالإبلاغ عن الأجانب، ويلاحظ: " المواطنون لم يشكوا فيهم إلا عندما تحدثوا في السياسة المصرية. فلماذا يتحدثون في سياساتنا؟ هي شئ لا يخصهم. فهم جاؤوا للسياحة. فليتحدثوا إذن عن الآثار، عن الرحلات، لكن لا يجب عليهم التدخل فيما لا يعنيهم"، كما يقول.
وفي نفس السياق اعتبر الموظف محمد خالد، ( 28 سنة) لـDWعربية، أن ما حدث مع بعض الأجانب في مصر وحجز لهم لهم من طرف الأمن لم يكن صحيحًا، غير أن هناك ما قد يبرر ذلك، حسب رأيه. ويقول: "الناس خائفة، والحديث عن المؤامرات الأجنبية في كل وسائل الإعلام، ولازال الكثيرون يحتفظون في ذاكرتهم بصورة الجاسوس في "مسلسل رأفت الهجان". لذا فقيام بعض المواطنين بالإبلاغ عن السياح أو الأجانب أمر يمكن تفهمه، غير أن كيفية التعامل الأمني مع السياح هو ما قد يتسبب في المشكلة".
[size][url][/url]
[/size]
إيمان سعيد، خبيرة في مجال السياحة ومديرة قسم السياحة الخارجية سابقا
أما ريهام صبحي، فعبرت، لـDWعربية، عن رأيها بانفعال قائلة: "هذا درب من الجنون، أن يتم القبض عليك بسبب الكلام بلغة أجنبية. إنه درب من الجنون أن يبلغ عنك المواطنون بسبب الحديث في السياسة، كما إنه درب من الجنون، أن تقبض عليك الشرطة، لأن شخصًا أبلغ عنك أنك تتحدث في السياسة ". واستطردت قائلة: "لقد وصلنا إلى مرحلة من الهوس الأمني لن تساعدنا بل ستقضي علينا. فمن هو السائح الذي سيأتي إلى مصر بعد سماعه أن المواطنين ينظرون إليه كجاسوسً وأن الأمن يحجز الأجانب بناء على بلاغات الموطنين؟".
"يجب التأني في التعامل مع البلاغات"
وعن تأثير مثل تلك الحوادث على حركة السياحة، تقول إيمان سعيد، الخبيرة في مجال السياحة ومديرة قسم السياحة الخارجية سابقا في إحدى شركات السياحة الكبرى، لـDWعربية: " إن الشرطة توسع حاليًا دائرة الاشتباه نتيجة الوضع الأمني المتدهور، غير أنه يجب التأنى في التعامل مع بلاغات الموطنين. فقطاع السياحة لا يستطيع تحمل ذلك". وتتابع: "كل تطور يؤثر على قطاع السياحة. نحن نحاول إعادة تنشيط حركة السياحة لما كانت عليه قبل الثورة، على الأقل، ونحن على أبواب موسم أعياد الميلاد ورأس السنة. وبمثل هذه المعاملات نطرد السياح بدلًا من جذبهم".
وأضافت إيمان سعيد: "لا يجب أن يتم القبض على أي سائح قبل التأكد من الإبلاغ، ولا يجب على الشرطة أن تصدق أي بلاغ أو تقوم بتوقيف السائح، فقد يؤدي ذلك لدعاية سيئة للبلد"، واختتمت قائلة: "الجميع أصبح يشك في كل ما من حوله بسبب هاجس الخوف وحث الإعلام المستمر للناس على الإبلاغ عن المتآمرين".
[size][url][/url]
[/size]
سياح يستمتعون برؤية غروب الشمس على الشاطئ
في حديثه مع DW عربية اعتبر اللواء يوسف وصال، الخبير الأمني وأستاذ الاستراتيجية القومية وإدارة الأزمات والتفاوض، والحاصل على زمالة في موضوع "السياحة والأمن القومي" أن تلك الحوادث لا تنفي ترحيب مصر بالسياحة، إلا أن ما حدث يظل في نطاق الحوادث الفردية"، وأضاف: "هي تصرفات غبية وفردية من شرطيين ليس لديهم قدرا كافيا من الثقافة والعلم".
"حمل السائح لكتب أو كاميرا لايعني أنه جاسوس"
وعن الأسلوب الأمثل للتعامل مع تلك البلاغات يقول اللواء وصال: " كل ما يتعلق بالسائحين هو من اختصاص شرطة السياحة والآثار، فهم عادة متواجدون حول الفنادق والأماكن السياحية، وبالإشارة إلى ما حدث في المترو، يجب على شرطة المترو الاتصال بأقرب وحدة لشرطة السياحة، حيث لديها الخبرات للتعامل مع مثل تلك المواقف" واختتم قائلا: "نأمل أن يتطور منظوم عمل الشرطة. فحمل السائح لكتب أو كاميرا لايعني أنه جاسوس، كما يجب أن تقدم وزارة الآثار والسياحة والداخلية دروس تعليم قواعد التعامل مع السياح".